للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راجع إلى معنى واحد، وقوله: "لا يستطيع" يشير إلى أن الله تعالى وإن أمكنه من التصور في أيّ صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذهب إلى هذا جماعة فقالوا في الحديث: إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها، ومنهم من قال: لا بدّ أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة، والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورتها الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره الشريف، وقد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي.

وقال الحافظ (١) أيضًا في موضع آخر: قال النووي: قال عياض (٢): يحتمل أن يكون المراد من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقًا، ومن رآه على غير صورته كانت رؤيا تأويل.

قال الحافظ: ظاهر قول عياض أنه يراه حقيقة في الحالين، لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير، والثانية مما يحتاج إلى التعبير، قال ابن العربي: الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها، انتهى ملخصًا من "الفتح".

وقال شيخنا الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه كما في هامش "اللامع" (٣) عن "الكوكب الدري" (٤): ذهب المتقدمون إلى أن ذلك حيث رآه في الحلية التي هي حلية آخر عمره - صلى الله عليه وسلم -، وقال الآخرون: بل كل حلية النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان حلية آخر عمره أو غير ذلك، وذهب المتأخرون - وهو الحق - إلى أن الرائي لما رآه - صلى الله عليه وسلم - في أي حلية كانت، وعلم بالقرائن أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو هو لا غيره، سواء رآه على حليته المنقولة عنه أو لا، والاختلاف فيه حينئذٍ يرجع إلى اختلاف حال الرائي بحسب إيمانه ونياته وأموره الباطنية، انتهى.


(١) "فتح الباري" (١٢/ ٣٨٤).
(٢) "الإكمال" (٧/ ٢١٩).
(٣) "لامع الدراري" (١٠/ ٢٤١).
(٤) "الكوكب الدري" (٣/ ١٩٤ - ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>