للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاتل عن رجل خشي عليه أن يقتل فقتل دونه، هل يجب على الآخر قصاص أو دية؟ فقالت طائفة: لا يجب عليه شيء للحديث المذكور، ففيه "ولا يسلمه" وفي الحديث الذي بعده "انصر أخاك"، وبذلك قال عمر، وقالت طائفة: عليه القود، وهو قول الكوفيين، وهو يشبه قول ابن القاسم وطائفة من المالكية، وأجابوا عن الحديث بأن فيه الندب إلى النصر، وليس فيه الإذن بالقتل، انتهى من "الفتح".

قوله: (وإن قيل له: لتشربن الخمر إلى قوله: أو تحلّ عقدة) هذا ستة أشياء عديل واحد، وعديله الآخر قوله: "أو لنقتلن أباك أو أخاك"، وحاصله أنه أكره على هذه الأشياء وهدّده بقتل الأب، أو الأخ في الإسلام، فهو مكره عند المصنف، قلنا: إنه ليس بإكراه، ولكنه باب آخر، فإن حفظ دم امرئ مسلم واجب في كل أوان، انتهى من "فيض الباري" (١).

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (٢) في شرح ترجمة الباب: لا شكّ في أن الرجل إذا تعرض للقتل إلا أن يثبت عند المكره كونه أبا لزيد أو أخًا له أو غير ذلك من القرابات والعلاقات، وجب على زيد أن يتقوّل بذلك صونًا لدمه، فأما إذا أكره عليه، وقيل: لتشربن الخمر أو لنقتلن أخاك، فإنه لم يسعه عندنا الإقدام على شرب الخمر، ووجه ذلك أن جواز أكل هذه المحرمات منوط بالاضطرار، ولا يتحقق بما ذكر، نعم يتحقق الاضطرار إذا أكره عليه بقتل نفسه، وأما إذا أكره بشيء من العقود المذكورة بعده بقوله: "لتبيعن هذا العبد" فقيل له: إما أن تبيع هذا أو لنقتلن أباك، فإنه يبيعه لأن الأموال وقاية للأنفس ومبذولة، فليس له أن يعرض المسلم على الهلاك وهو قريبه، نعم يكون له خيار الفسخ بعد زوال الإكراه لكونه لم يقدم على هذا العقد بكمال رضاه، وأما تفريقهم بين المحرم وغيره فلا يمكن الاعتراض بذلك عليهم؛ لأن مدار جواز الحرام إنما هو


(١) "فيض الباري" (٦/ ٤١٤، ٤١٥).
(٢) "لامع الدراري" (١٠/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>