ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين، واستنبط ذلك من ألفاظ الحديث فارجع إليه.
ثم قال: وفي الحديث أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والإعذار إليهم، وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها، واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاري في الترجمة حيث قرنهم بالملحدين، وأفرد عنهم المتأولين بترجمة، واستدل القاضي أبو بكر ابن العربي لتكفيرهم بقوله في الحديث:"يمرقون من الإسلام"، وبقوله:"أولئك هم شرار الخلق".
وقال الشيخ تقي الدين السبكي في "فتاويه": احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهادته لهم بالجنة، قال: وهو عندي احتجاج صحيح، وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السُّنَّة إلى أن الخوارج فساق، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد، وجرّهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليه بالكفر والشرك.
وقال القاضي عياض: كادت هذه المسألة أن تكون أشد إشكالًا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق أبا المعالي عنها، فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم منها عظيمة في الدين، وقال:"وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقال: لم يصرّح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالًا لا تؤدّي إلى الكفر"، وقال الغزالي في "كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة": الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيل، فإن استباحة دماء المسلمين المصلين والمقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد، انتهى من "القسطلاني".