للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وما حكى العيني في مذهب الحنفية من قوله: سواء كان معها أو لا، مخالف لما في كتبنا، فإنهم صرّحوا بأن عدم الضمان عندنا فيما إذا لم يكن معها سائق ولا قائد، نعم لا فرق عندنا بين الليل والنهار كما قال به الجمهور، ففي "الهداية" (١): الراكب ضامن لما أوطأت الدابة ما أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها، أو كدمت، ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها، والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها، ثم قال: ولو انفلتت الدابة فأصابت مالًا أو آدميًا ليلًا أو نهارًا لا ضمان على صاحبها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "جرح العجماء جبار" قال محمد - رحمه الله -: هي المنفلتة، انتهى.

وفي هامش "اللامع" (٢) عن "الشرح الكبير" (٣) لابن قدامة: يضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلًا، ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارًا، إذا لم يكن يد أحد عليها، وهذا قول مالك والشافعي، وقال الليث: يضمن مالكها ما أفسدته ليلًا ونهارًا بأقلّ الأمرين من قيمتها وقدر ما أتلفته، وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه بحال لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "العجماء جرحها جبار"، انتهى.

قلت: وقال الإمام مالك في "الموطأ" (٤): قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن على أهل الحائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل فالضمان على أهلها، قال صاحب "المحلى" نقلا عن "شرح السُّنَّة" (٥): لأن في العرف أن أصحاب الحوائط يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشي بالليل، فمن خالف هذه العادة كان خارجًا عن رسوم الحفظ، وفيه أيضًا: قال أبو حنيفة: لا ضمان فيها إذا لم يكن المالك معها ليلًا ولا نهارًا لحديث "العجماء جبار"، انتهى.


(١) "الهداية" (٢/ ٤٧٩، ٤٨٠).
(٢) "لامع الدراري" (١٠/ ١٨٦، ١٨٧).
(٣) "الشرح الكبير" (٥/ ٤٥٤).
(٤) "التعليق الممجد" (٣/ ٣١).
(٥) "شرح السُّنَّة" (٨/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>