للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأوجه عندي ما قال ابن بطال من أنه أشار بالترجمة إلى ترجيح أحاديث الجواز، ولذا لم يذكر في الباب شيئًا من أحاديث النهي كما ترى، فمعنى الترجمة جواز الشرب قائمًا، والمسألة خلافية لأجل اختلاف الروايات.

قال الحافظ (١): واستدل بهذا الحديث على جواز الشرب للقائم، وقد عارض ذلك أحاديث صريحة في النهي عنه، منها عند مسلم عن أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر عن الشرب قائمًا"، ومثله عنده عن أبي سعيد بلفظ: "نهى"، ولمسلم عن أبي هريرة بلفظ: "لا يشربنّ أحدكم قائمًا فمن نسي فليستقئ" إلى أن قال الحافظ: قال القرطبي: لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم، وإن كان جاريًا على أصول الظاهرية القول به، وتعقب بأن ابن حزم جزم بالتحريم.

ثم قال: وسلك العلماء في ذلك مسالك:

أحدها: الترجيح، وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي، وهذا طريقة أبي بكر بن الأثرم، الثاني: دعوى النسخ، وإليها جنح الأثرم وغيره فقالوا: إن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز، وقد عكس ذلك ابن حزم، فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي، الثالث: الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل فقيل: المراد بالقيام ههنا المشي، وجنح الطحاوي إلى حمل النهي على من لم يسمّ عند شربه، ومال جماعة إلى حمل النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهذا أحسن المسالك، وقيل: إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطبّ مخافة وقوع ضرر به، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع" (٢).

وفيه: وعلم مما سبق أنهم اختلفوا في ذلك على ستة أقوال:

أحدها: أن النهي مخصوص بما سوى زم زم وفضل الوضوء، وهو


(١) "فتح الباري" (١٠/ ٨٢ - ٨٤).
(٢) "لامع الدراري" (٥/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>