للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: السابعة داخلة في الرابعة والخامسة، وإلا فوحي الملائكة غير إسرافيل أيضًا ثابت في الروايات، كملك الجبال وغيره، فالأوجه عندي اقتصارها على أربعة: أحدها: سماع الكلام القديم، الثانية: بواسطة الملك، الثالثة: التلقي بالقلب، الرابعة: وحي منام، وباقي الأقسام يرجع إِلى هذه الأربعة.

وما قيل: إنها تبلغ إلى ستة وأربعين نوعًا، مستدلًا بحديث: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" (١) - وقد بسط الكلام على هذا الحديث في "الأوجز" (٢) أشدّ البسط -؛ يشكل عليه أن هذه الرؤيا التي رُئيت ستة أشهر كانت قبل النبوة، فكيف عُدَّتْ من أجزائها؟

ويمكن التفصي عنه أنهم قالوا: بدء النبوة في ربيع الأول سنة أربعين من مولده، ففي "الأوجز" (٣): وقد كان ابتداء الوحي على رأس الأربعين من عمره - صلى الله عليه وسلم -، كما جزم به ابن إسحاق وغيره، وذلك في ربيع الأول، ونزول جبرئيل - عليه السلام -[إِليه] وهو في غار حراء كان في رمضان، وبينهما ستة أشهر، انتهى.

ثم قدَّم الإمامُ الوحيَ على الإيمان أيضًا إشارةً إلى أن كل ما يأتي من العقائد والأحكام وغيرها كلها متفرِّع عن الوحي ومرتب عليه، وأيضًا فإن الوحي قطعي لكونه منه عَزّ اسمه، فالثابت به كله قطعي، ومن المناسبات أن يقال: إن المصنف صدَّر ببدء الوحي، ثم ذكر الإيمان، ثم العلم، ثم الطهارة؛ لأنه جمع في هذا الكتاب وحي السُّنَّة التي هي ينبوع الشريعة، وكان الوحي لبيان الأحكام الشرعية، صدَّره بحديث الأعمال، والعمل يحتاج إلى العلم، والعلم لا يعتبر به إلا بعد الإيمان، فلذا عقَّب الوحي بالإيمان، ثم عقبه بالعلم، ثم عقبه بالطهارة التي هي شرط لأفضل الأعمال وهي الصلاة.


(١) أخرجه البخاري (ح: ٦٩٨٩).
(٢) "أوجز المسالك" (١٧/ ١٢٠).
(٣) "أوجز المسالك" (١٧/ ١٢٧)، وانظر: "فتح الباري" (١٢/ ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>