للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الحافظ (١): قوله: اسمان من الرَّحمة، أي: مشتقان من الرَّحمة، والرَّحمة لغةً الرقة والانعطاف، وعلى هذا فوصفه به تعالى مجاز عن إنعامه على عباده، وهي صفة فعل لا صفة ذات، وقيل: ليس الرحمن مشتقًا لقولهم: وما الرحمن؟ وأجيب بأنهم جهلوا الصفة والموصوف، ولهذا لم يقولوا: من الرحمن وقيل: هو علم بالغلبة لأنه جاء غير تابع لموصوف في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ}، {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: ١١٠] وغير ذلك، وتعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع أن لا يكون صفة؛ لأن الموصوف إذا علم جاز حذفه وإبقاء صفته، انتهى.

قوله: (الرحيم والراحم بمعنى واحد) تقدم في كلام الشيخ قُدِّس سرُّه وإن كان الغالب في الفاعل استعماله من حيث الحدوث دون فعيل، انتهى.

قال القسطلاني (٢): قوله: "بمعنى واحد" هذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها زائد على معنى الفاعل، وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة وفيها أيضًا زيادة لدلالتها على الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث، ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلًا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول؛ لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه، انتهى.

وبسط الحافظ (٣) الكلام على الفرق بينهما فقيل: الرحمن أبلغ لأنه يتناول جلائل النعم وأصولها، تقول: فلان غضبان إذا امتلأ غضبًا، وأردف بالرحيم ليكون كالتتمة ليتناول ما دق، وقيل: الرحيم أبلغ بما يقتضيه صيغة فعيل، والتحقيق أن جهة المبالغة فيهما مختلفة، انتهى مختصرًا.


(١) "فتح الباري" (٨/ ١٥٥).
(٢) "إرشاد الساري" (١٠/ ٥).
(٣) "فتح الباري" (٨/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>