للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن راح"، وهذا السياق أوجه عندي وأجدر بشأن البخاري، وغيّر لفظ "غدا" الوارد في الحديث بلفظ "خرج" في الترجمة لبديعةٍ، وهي: أن المعروف في اللغة: الغدوة: المضي من بكرة النهار، والرواح: من الزوال.

وعلى هذا فمقتضى الحديث: فضل من أكثر الخروج إلى المسجد، لكن الغدو قد يطلق على الخروج مطلقًا، كما هو معروف، والرَّواح قد يطلق على الرجوع.

قال الحافظ (١): "باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح" هكذا للأكثر موافقًا للفظ الحديث في الغدو والرواح، ولأبي ذر بلفظ "خرج" بدل "غدا". وعلى هذا، فالمراد بالغدو: الذهاب، وبالرواح: الرجوع، انتهى.

قلت: وهذا الذي أراد البخاري عندي، وأشار بذلك إلى الفضل في الخروج إلى المسجد والرجوع منه، وكأنه أومأ بذلك إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود (٢) واللفظ له عن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: "كان رجل لا أعلم أحدًا من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلًا من المسجد من ذلك الرجل، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، فقلت: لو اشتريت حمارًا تركبه في الرمضاء والظلمة، فقال: ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد، فنمي الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن ذلك، فقال: أردت يا رسول الله أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد، ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت، فقال: أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله ما احتسبت كله أجمع".

وعزاه السيوطي في "الدر" (٣) إلى ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه، وابن مردويه، ولفظه: فقال: يا رسول الله! كيما يكتب أثري وخطاي ورجوعي إلى أهلي وإقبالي وإدباري: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطاك الله ذلك كله، وأعطاك ما احتسبت أجمع".


(١) "فتح الباري" (٢/ ١٤٨).
(٢) "صحيح مسلم" (ح: ٦٦٣)، و"سنن أبي داود" (ح: ٥٥٧).
(٣) انظر: "الدر المنثور" (٧/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>