للمحرم إذا لم يجد النعلين"، وترجم ثانيًا "باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل"، وحملوا ذلك على تفنن الإمام - رحمه الله -، وليس كذلك، بل لما كان لبس الخفين لمن لم يجد النعلين اختيارًا، إن شاء لبس وإن شاء لم يلبس، ولا مانع في الاحتفاء، ترجم عليه الإمام البخاري ما يدل على الجواز، وكان لبس السراويل لمن لا يجد الإزار حتمًا واجبًا لوجوب ستر العورة، ترجم على ذلك بلفظ "فليلبس" الدال على الوجوب.
ونظائر هذا الأصل - الذي خاطري أبو عذره - كثيرة في "الصحيح"، تظهر من التدبر في تراجمه.
مثلًا: ترجم "باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة"، وذكر فيه حديث شدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد، ولم يذكر في الترجمة الصلاة ببيت المقدس مع كونها في الحديث، ثم ترجم "باب مسجد بيت المقدس"، ولم يذكر في الترجمة لفظ الصلاة، وذكر فيه أيضًا حديث شدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد.
ومثلًا: ترجم "باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء" مطلقًا، ولم يقيده بقيد، وترجم للجمع بين الظهر والعصر مفصلًا بترجمتين، فترجم "باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس"، ثم ترجم "باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب".
والمسألة خلافية شهيرة ليس هذا محلها، وغرضي من ذلك التنبيه على تغير سياق التراجم على الأحكام الواردة في الأحاديث بنسق واحد، كما ترجم "باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غيرَ مفسد"، ثم ترجم "باب أجر المرأة إذا تصدقت. . ." إلخ، فقيَّد الأولى بأمر صاحبه دون الثانية، مع اتحاد سياق الرواية من التراجم الكثيرة في "الصحيح" تظهر بأدنى تأمل.
ويقرب من ذلك الأصل، وإن لم يكن داخلًا فيه، تغيُّر التراجم في الخطب، إذ ترجم في الجمعة "باب استقبال الناس الإمام إذا خطب" وفي "العيد" "[باب] استقبال الإمام الناس في خطبة العيد"، وفي "الاستسقاء" "باب استقبال القبلة في الاستسقاء"، ووجوه تلك كلها واضحة.