للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما لم يقبلوا تركه، فنزّل المصنف ما بالقول منزلة ما بالفعل، وهو في حقه - صلى الله عليه وسلم - واضح؛ لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله، وتقدم في "كتاب الشرب" في الكلام على هذا الحديث أن المراد بإقطاعها للأنصار تخصيصهم بما يتحصل من جزيتها وخراجها لا تمليك رقبتها؛ لأن أرض الصلح لا تقسم ولا تقطع بها، وأما ما وعد من مال البحرين والجزية - وهو الجزء الثاني من الترجمة - فحديث جابر دالٌّ عليه، وأما مصرف الفيء والجزية - وهو الجزء الثالث من الترجمة - فعطف الجزية على الفيء من عطف الخاص على العام؛ لأنها من جملة الفيء، وقد مرَّ تعريف الفيء، وحديث أنس المعلق يشعر بأنه راجع إلى نظر الإمام يفضل من شاء بما شاء، وتقدم في الخمس أن مصرف الجزية مصرف الفيء، وتقدم بيان الاختلاف في مصرف الفيء، وأن المصنف يختار أنه إلى نظر الإمام، والله أعلم، انتهى.

قلت: قال الحافظ (١) في "باب فرض الخمس": اختلف العلماء في مصرف الفيء؟ فقال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطي الإمام أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - بحسب اجتهاده، وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء، فقالوا: الخمس موضوع فيما عيَّنه الله فيه من الأصناف في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الإمام بحسب المصلحة، وانفرد الشافعي كما قال ابن المنذر وغيره بأن الفيء يخمس، وأن أربعة أخماسه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة، وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واحتجوا بقول عمر: فكانت هذه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة، انتهى.

وفي "الدر المختار" (٢): ومصرف الجزية والخراج ومال التغلبي


(١) "فتح الباري" (٦/ ٢٠٨).
(٢) "رد المحتار" (٦/ ٣٤٨ - ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>