للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأوجه عند هذا العبد الفقير أن الإمام البخاري أشار به إلى مسألة خلافية شهيرة، وهي: اختلافهم في أن حرم المدينة كحرم مكة أو حكمهما مختلف؟ ولم يجزم الإمام بالحكم في الترجمة كعادته في المسائل المختلف فيها عند الأئمة، وكذا في المسائل التي اختلفت فيها الروايات، ولم يترجح عنده إحداها، وهما أصلان معروفان مطَّردان من الأصول المتقدمة في المقدمة، وبسط الكلام على المسألة في "الأوجز" مع بسط الدلائل.

قال العيني (١) بعد حديث أنس: احتج به الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق، فقالوا: المدينة لها حرم، فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها، ولكنه لا يجب الجزاء عندهم خلافًا لابن أبي ذئب فإنه قال: يجب الجزاء، وكذلك لا يحل سلب من فعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي في القديم إذ قال: من اصطاد في المدينة صيدًا أخذ سلبه، وقال الثوري وابن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ليس للمدينة حرم كما كان لمكة، فلا يمنع أحد عن أخذ صيدها وقطع شجرها، وأجابوا عن الحديث المذكور بأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك بقاء زينة المدينة ليستطيبوها ويألفوها، وذلك كمنعه - صلى الله عليه وسلم - من هدم آطام المدينة، وقال: "إنها زينة المدينة" على ما رواه الطحاوي بإسناد صحيح، ثم ذكر الطحاوي دليلًا على ذلك من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا عمير ما فعل النغير" إلى آخر ما بسط العيني، انتهى من "هامش اللامع" مختصرًا.

قال الحافظ (٢): ذكر المصنف هنا أربعة أحاديث، ورتَّبها ترتيبًا حسنًا، ففي حديث أنس التصريح بكون المدينة حرمًا، وفي حديثه الثاني تخصيص النهي عن قطع الشجر بما لا ينبته الآدميون، وفي حديث أبي هريرة بيان ما أجمل من حد حرمها في حديث أنس حيث قال كذا وكذا، فبيَّن في هذا أنه ما بين الحرتين، وفي حديث علي زيادة تأكيد التحريم، وبيان حد الحرم أيضًا، انتهى.


(١) "عمدة القاري" (٧/ ٥٦٧).
(٢) "فتح الباري" (٤/ ٨٦ - ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>