للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهر "المغني" أن النياحة مكروهة مطلقًا إلا البكاء بالصوت، وفيه أيضًا: ونقل حرب عن أحمد كلامًا يدل على إباحة النوح والندب، وظاهر الأخبار تدل على الحرمة، إلى آخر ما قال. واختار صاحب "الفيض" القول الثاني حيث قال (١): ومن ههنا تبعيضة عندي، وذلك لأنه لا بد كون بعض مراتب النياحة تحت الجواز وإن لم نقدر على تحديدها، لما قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإغماض عن بعضها؛ كنياحة أم الأخ لجابر حين استشهد، ولذا صرح السرخسي أن المسألة فيه عندنا أن يفوض إلى رأي المبتلى به، ثم لا بد من الفرق بين الإغماض والرضاء، فالذي أقول: هو الإغماض في بعض الأحيان مع إظهار عدم الرضاء، وهو الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الباب الآتي، انتهى مختصرًا.

قال الموفق (٢): الندب تعداد محاسن الميت بلفظ النداء مثل قولهم: وارجلاه واجبلاه، والنياحة، وخمش الوجوه، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، انتهى.

قوله: (إنَّ كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد) يشكل بأن وجه الشبه يكون أقوى في المشبه به، أجاب عنه السندي (٣) بوجوه:

الأول: أن الكاف للمماثلة بمعنى المساواة، والمطلوب من نفي المساواة إثبات الأشدية.

الثاني: معناه: ليس مثله في السهولة، وما يكون أقل سهولة يكون أكثر شدة.

الثالث: يمكن أن يجعل وجه الشبه خفة الإثم، أي: ليس مثله في خفة الإثم، وما يكون أقل خفة يكون أكثر شدة. . . إلى آخر ما قال.


(١) "فيض الباري" (٢/ ٤٦١).
(٢) "المغني" (٣/ ٤٨٩).
(٣) "حاشية السندي" (١/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>