للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أحمد أيضًا بإسناده عن عائشة في قوله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٥]، قال: "لا والله، وبلى والله" (١)، وهذا أيضًا يدل على ما ذكرنا؛ لأنَّه معلوم في قوله: لا والله إنما يكون جواب السائل عن أمر ماض هل كان فنفاه الحالف أو أثبته ولا يكون في المستقبل، وقد يكون عبارة عما لا يفيد، وإن كان مقصودًا كما قال تعالى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢]، وإذا كان معناه ما لا يفيد فهو في اليمين على الماضي؛ لأنها لا تتضمن إيجابًا ولا تحريمًا. ولا يلزم اليمين الغموس؛ لأنها تتضمن المأثم والعذاب في الآخرة، وقد يكون عبارة عما يفيد قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦]، وهذا غير مراد بالآية، ولأنها يمين على المستقبل فجاز أن يحكم بانعقادها كما لو كان عالمًا قاصدًا، ولأنه سبب يؤول إلى وجوب الكفارة فجاز أن يثبت حكمه مع عدم القصد في السبب كالجراحة ولا يلزم عليه الفطر بالوطي؛ لأنَّه لا يؤول إلى وجوب الكفارة وإنما يوجب الكفارة بنفسه (٢).

وقد احتج: من نصر المسألة بأنه أحد نوعي اليمين فاستوى فيه القصد وعدم القصد كالطلاق والعتاق (٣)، والمخالف يمنع هذا في الأصل ويقول: الطلاق لا يستوي فيه القصد وعدمه؛ لأنَّه لو جرى على لسانه الطلاق من غير قصد لم يحنث فيما بينه وبين الله تعالى ولم يصدق في الحكم لتعلقه بحق آدمي (٤).


(١) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾، رقم (٤٦١٣).
(٢) ينظر: المغني (٩/ ٤٩٧ - ٤٩٨)، الشرح الكبير (١١/ ١٨٣ - ١٨٤)، شرح الزركشي (٧٤٧).
(٣) ينظر: شرح الزركشي (٧/ ٧٤)، الإنصاف (٢٠/ ١١ - ٢١)، كشاف القناع (٦/ ٢٣٧).
(٤) ينظر: الحاوي الكبير (١٥/ ٢٨٩)، كفاية النبيه (١٤/ ٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>