للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لو قال: وحق بيت الله. أو: وحق رسول الله. لم يكن يمينًا. وإن كان تعظيمًا للمقسم به، فعلمنا أنه ليس كل ما كان فيه تعظيم كان يمينًا، وإنما اليمين ما كان باسم من أسمائه، وصفة وصفة من صفاته (١).

قيل: هناك لا يتضمن الاستخفاف بحرمة الله، وإنما يتضمن الاستخفاف بحرمة المقسم، وهو مخلوق، فنظيره من مسألتنا أن يقول: هو بريء من الكعبة إن فعل كذا. فيكون حالفًا (٢).

فإن قيل: قوله: وهو كافر. ليس معناه: هو بريء من عبادة الله. وإنما معناه: أنه مكذب له كما أن ضده، وهو قوله أنا مؤمن بالله. أي مصدق له. فيكون المحلوف به هو التكذيب، وهذا محرم في حق الله، كما هو محرم في حق رسوله؛ لأنه يجب التصديق به، ويحرم تكذيبه (٣).

قيل: معنى التكذيب معنى الكفر والبراءة؛ لأن كل واحد من ذلك يتضمن المخالفة لما أخذ عليه، والاستخفاف بالحرمة، وقد قيل: معنًى مؤثر في الفرقة مختلف في كونه يمينًا، فجاز أن يجب بمقتضاه يمين، كقوله: أنت علي حرام لأمتِه (٤).

واحتج المخالف: بما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله : "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون" (٥).

وقوله: "لا تحلفوا إلا بالله" نهي عن اليمين بغير الله والنهي يدل عل فساد المنهي عنه وهذه اليمين بغير الله فوجب أن تكون فاسدة (٦).


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٦/ ١٤٠)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (١٠/ ٥٠٠)، الحاوي الكبير (١٥/ ٢٦١).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٥/ ٧٧)، المعونة على مذهب عالم المدينة (ص ٦٣٢).
(٣) ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (١٠/ ٥٠٠)، الحاوي الكبير (١٥/ ٢٦١).
(٤) ينظر: شرح الزركشي (٧/ ٨٦)، الهداية (١/ ٥٥٨)، الإقناع (٤/ ٢٩٨)، المحرر (٢/ ١٩٧).
(٥) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، رقم (٣٢٤٨)، والنسائي في كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالأمهات رقم (٣٧٦٩)، وابن حبان في صحيحه رقم (٤٣٥٧)، والبيهقي في سننه رقم (١٩٨٥٧) من حديث أبي هريرة. قال ابن الملقن في البدر المنير (٩/ ٤٥٥): هذا الحديث صحيح.
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٦/ ١٤٠)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (١٠/ ٥٠٠)، الحاوي الكبير (١٥/ ٢٦١). أسنى المطالب في شرح روض الطالب (٤/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>