للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك واجبًا عليه بحديث ابن عباس: "ثلاث هُنّ عليّ فرائض: النّحرُ، والوترُ، وركعتا الفجر"، وعلى أنه لو كان عامًّا حملناه على الاستحباب دون الإيجاب (١).

يدُلُّ على صحة هذا: أن الأمر يتناول النحر، وهو غير واجب؛ لأنه لو ذبح غيره أجزأه، فعُلم أنه أمر استحباب وكونه مقرونًا إلى الصلاة ذكرًا لا فعلًا، كما قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] (٢).

واحتج: بأن الأضحية كانت واجبة في شريعة إبراهيم؛ يدلك عليه قوله: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ﴾ [الأنعام: ١٦٢]، يعني الذبح، قال تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] (٣) عقل من ظاهره الذبح، ثم قال: ﴿وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾ [الأنعام: ١٦٣] فأخبر أنه مأمور به، وقد أمر الله تعالى نبينا باتباعه بقوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣]، فإذا ثبت وجوبها على إبراهيم ثبت وجوبها على النبي .

والجواب: أنّا لا نسلّمُ أنها كانت واجبة في شريعة إبراهيم، وقوله: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾ [الأنعام: ١٦٢] ليس المراد به الذبح، وإنما المراد به: القُربة والطاعة، ولهذا يسمى العابد المطيع لله ﷿ المتقرب إليه "ناسكًا"، وتسمى أعمال الحج "مناسك".

ويدل عليه: قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: ٦٧].

ولو سلّمنا أنّ المراد به الذبح لم يجب حملُهُ على الأضحية؛ لأن في الشريعة ذبحًا كثيرًا واجبًا فلم يجب حملُهُ على ذلك، وإنما لم يبينه وأطلقه؛ لأن المقصود به أن الذبح يكون لله ﷿ دون الأوثان كما كانت الجاهلية تذبح للأوثان والآلهة عندهم فأخبر النبي أنّ الذبح لله ﷿ ونصلي له ونعبده مخلصًا له الدين لا نشرك به شيئًا (٤).


(١) ينظر: الروض المربع (١/ ١٩٧)، الكافي في فقه أحمد (١/ ٥٤٦).
(٢) ينظر: الروض المربع (١/ ١٩٧)، العدة (ص ٢٠١)، الكافي في فقه أحمد (١/ ٥٤٦)، الحاوي (١٥/ ١٣١).
(٣) في الأصل (ففدية من طعام أو صدقة أو نسك)، والمثبت في الآية هو الصواب.
(٤) ينظر: الروض المربع (١/ ١٩٧)، الكافي في فقه أحمد (١/ ٥٤٦)، الحاوي (١٥/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>