للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلة باقية في حقهم فكان التحريم باقيًا (١).

فإن قيل: هذا التحريم نسخ بشريعتنا، ولو كان التحريم باقيًا أدى ذلك إلى أن يكون الكفار مقرين على شريعتهم وأنهم متعبدون بذلك ووجب على قول هذا القائل أن يكونوا مخاطبين بإمساك السبت.

قيل: لا يجوز دعوى النسخ بشريعتنا؛ لأن هذا مبني على أصل: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخة (٢)، وإذا ثبت أن شريعة موسى شريعة لنا لم تكن شريعتنا ناسخة لها، وقد سلك أبو الحسن التميمي (٣) هذه الطريقة (٤) والذي يمنع دعوى النسخ ههنا شيئان:

أحدهما ما ذكرنا من التعليل وهو وجود البغي منهم وهذا المعنى موجود في وقتنا ولا يجوز بقاء العلة ورفع الحكم (٥).

والثاني: قول النبي في حديث عمر: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها" (٦). وروى جابر: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها


(١) ينظر: الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٢٦)، تفسير ابن كثير (٣/ ٣٥٥).
(٢) شرع من قبلنا شرع لنا مالم يثبت نسخه، من الأدلة الإجمالية المختلف في الاحتجاج بها عند الفقهاء.
ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه (٣/ ٤٩٧)، التبصرة (١/ ٢٨٥).
(٣) هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الحسن التميمي فقيه حنبلي، وقال أبو يعلى بن الفراء: أبو الحسن عبد العزيز بن الحارث التميمي رجل جليل القدر، وكان له كلام في مسائل الخلاف. وله تصنيف في الفرائض والأصول. ولد (٣١٧ هـ)، وتوفي في ذي القعدة (٣٧١ هـ).
ينظر: طبقات الحنابلة (٢/ ١٣٩)، الأعلام (٤/ ١٦)، تاريخ بغداد (١٢/ ٢٣٣).
(٤) ينظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال (٢/ ٣٥٨)، التبصرة (١/ ٢٨٥).
(٥) قال ابن القيم في إعلام الموقعين (٤/ ٩٠): الحكم يدور مع. علته وسببه وجودًا وعدمًا، ولهذا إذا علق الشارع حكمًا بسبب أو علة زال ذلك الحكم بزوالهما؛ كالخمر علق بها حكم التنجيس ووجوب الحد لوصف الإسكار، فإذا زال عنها وصارت خلا زال الحكم، وكذلك وصف الفسق علق عليه المنع من قبول الشهادة والرواية فإذا زال الوصف زال الحكم الذي علق عليه، والشريعة مبنية على هذه القاعدة فهكذا الحالف إذا حلف على أمر لا يفعله لسبب فزال السبب لم يحنث بفعله لأن يمينه تعلقت به لذلك الوصف فإذا زال الوصف زال تعلق اليمين.
(٦) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب: لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه، رقم (٢٢٢٣)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة، والخنزير، والأصنام رقم (١٥٨٢) من حديث عمر بن الخطاب .

<<  <  ج: ص:  >  >>