للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليله: حالة الابتداء، ولا يلزم عليه طعام من الغير عند الضرورة؛ لأنه يأكل منه ما يمسك رمقه، ولأن الضرورة إليها قد عدمت في الثاني، فلم يجز له الأكل منهما كما لو وجد طعامًا مباحًا بعد ما تناول منها لقمة أو لقمتين (١).

فإن قيل: لا يجوز اعتبار الابتداء بالاستدامة، ألا ترى أن عدم الطول شرط في ابتداء نكاح الحرة، وليس شرط في الاستدامة وكذلك العدة (٢).

قيل: فيجب أن نقول إذا أكل منها لقمة، ثم وجد طعامًا مباحًا أن له أن يأكل منها حتى يشبع، ولو وجد في الابتداء لم يجز؛ لأن الانتهاء يفارق الابتداء.

وقد قيل: إن هذا الكلام إنما يصح فيما له ابتداء، أو مداومة وكل جزء من الأكل ابتداء أكل؛ لأن الأول منقطع، ثم يستأنف ما يتناوله فهو ابتداء.

يبين صحة هذا: أنه لا فرق بين أن يأكل الجزء الأول من طعام مباحٍ، ثم يتمم من الميتة، وبين أن يأكل منها ثم يتمم أكله منها، فإن كان في أحد الموضعين مبتدأ كذلك هو في الآخر وفي هذا ضعف؛ لأن للأكل استدامة، ولهذا لو حلف لا أكلت يومي هذا إلا أكلة فاستدام الأكل إلى آخر النهار، لم يحنث ولو أكل أكلة وقطع ثم عاد فأكل حنث.

واحتج المخالف: بما روى جابر بن سمرة (٣) أن رجلًا جاء إلى رسول الله ومعه أهله وولده، فسأله عن أكل ناقة له نفقت فقال له النبي : " [هل] (٤) عندك غنى يغنيك؟ " قال: لا، قال: فكلوها (٥) ولم يفرق بين سد الرمق وبين الشبع.


(١) ينظر: المغني (٣٣١/ ١٣)، الكافي (٢/ ٥٣٥).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٥٦).
(٣) هو جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجير بن رياب بن حبيب ابن سواءة، نزل الكوفة وابتنى بها دارًا، توفي في إمرة بشر بن مروان، وقيل توفي سنة ٦٦ للهجرة أيام المختار ابن أبي عبيد.
ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (١/ ٢٤٤)، أسد الغابة (١/ ٤٨٨).
(٤) في الأصل (أهل)، والمثبت من الرواية (هل).
(٥) أخرجة ابي داود في سننه في باب المضطر إلى الميتة رقم (٣٨١٦) (٣/ ٣٥٨)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، في باب ما يحل من الميتة بالضرورة رقم (١٩٦٣٥) (٩/ ٥٩٧) وحديث جابر بن سمرة سكت عنه أبو داود والمنذري، وليس في إسناده مطعن لأن أبا داود رواه من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة. ينظر: نيل الأوطار (٨/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>