للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لو كان ذكاة الأم ذكاة للجنين؛ لأن الذكاة فيها حقيقته وهي المتبوعة وهي في الجنين مجاز وتابعه (١).

قيل: يجوز البداية بكل واحد منهما؛ ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول قطع الحلقوم والمريء ذكاة الحيوان وبين أن يقول ذكاة الحيوان قطع الحلقوم والمريء. وكذلك لا فرق بين أن يقول سقي الزرع بمائة وبين أن يقول: ماء الزرع سقيه.

وقولهم: أن الذكاة في الجنين مجاز غير صحيح لما بينا وهو أن الذكاة هي الطيبة والطهارة، وليست بعيده عن العفو حتى يقال قد عدم في الجنين (٢).

فإن قيل: قد روى "ذكاة الجنين ذكاة أمه" بالنصب والنصب إنما يكون لنزع الخافض وهو كاف التشبيه فكأنه قال: ذكاة الجنين كذكاة أمه فلما نزع الكاف نصبه (٣).

قيل: هذه الرواية غير معروفة على أن أهل اللغة لا يجوزون النصب في مثل هذا؛ لأنه اسم وإنما يقولون ذلك في الأفعال التي إذا نزع حرف الخافض تعد الفعل إلى الثاني فينتصب به ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣]، ولم يقل عَرَضَها وكذلك قول الشاعر:

فعيناك عيناها ولم يقل عينها

ويقال: مذهبي مذهبك ولا يقال مذهبَكَ.

وقال ابن جني (٤): لا يجوز هنا كما لا يجوز أن يقول زيد عمرا أي: كعمرو ونصبوا في الأفعال كما قال تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: (١٥٥]، معناه من قومه، فلما


(١) ينظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٣٠٤)، بدائع الصنائع (٥/ ٤٣)، البحر الرائق (٨/ ١٩٥).
(٢) ينظر: المغني (٩/ ٤٠١)، الشرح الكبير على متن المقنع (١١/ ٥٩).
(٣) ينظر: الجوهرة النيرة (٥/ ٢٧١)، المبسوط (١٢/ ٩) تبيين الحقائق (٥/ ٢٩٤).
(٤) هو عثمان بن جني، أبو الفتح الموصلي النحوي اللغوي، صاحب التصانيف في علوم النحو واللغة، وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الموصلي، ولد قبل الثلاثين وثلاث مائة، وسكن بغداد ودرس بها العلم، ولزم أبا علي الفارسي، وخدم عضد الدولة وابنه، وقرأ على المتنبي (ديوانه)، وشرحه، وله مجلد في شرح بيت لعضد الدولة. أخذ عنه: الثمانيني، وعبد السلام البصري. وتوفي ببغداد لليلتين بقيتا من صفر سنة ٣٩٢ هـ. ينظر تاريخ بغداد (١١/ ٣١٠)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ١٧ - ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>