للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لا بد من إضمار بالاتفاق؛ لأن معناه عندكم ذكاة الجنين تحصل بذكاة الأم وعندنا معناه ذكاة الجنين كذكاة الأم ومثل ذكاة الأم (١).

قيل: نحن لا نحتاج إلى إضمار؛ لأن الذكاة عبارة عن الحل والطيب والطهارة ولا يحتاج إلى إضمار؛ لأن معناه حل الأم حل للجنين، وعند المخالف الذكاة فرى الأوداج فيحتاج إلى إضمار فيقول: فرى الأوداج في الجنين مثل فرى الأوداج في الأم، وقطع الحلقوم والمريء سبب للذكاة التي هي حل اللحم وطيبه وطهارته وليس بالذكاة.

يدل عليه أن القطع لو كان هو الذكاة؛ لكان هذا والاسم في سائر بدن الحيوان مجاز؛ لأن القطع لم يوجد فيه وإنما وجد في موضع فيه وهو الحلق واللبة (٢) وهذا لا يقوله: أحد بل الكل مجمعون على أن جميع الحيوان ذكي وجميع لحمه مذكى.

ويدل عليه أيضًا: أن المجوسي والوثني والمرتد يفرون الأوداج وليس بذكاة؛ لأنه لم يحل اللحم، وكذلك يوجد ذلك فيما لا يحل أكله من الحيوان فلا يكون مذكى؛ لأنه لم يطب أكله ولم يحل به وكذلك إذا عقر بعيرا ندا وصيدا وحشيا كانت مذكى؛ لأنه حلال طيب وإن لم يحصل فيه فرى الأوداج فدل على أن الذكاة عبارة عن طيبه وطهارته (٣).

ويبين صحة هذا أيضا أن النبي قال في البحر "هو الطهور ماؤه ذكي ميتته" (٤)، وروى عنه قال: "دباغ الأديم ذكاته" (٥) يعني طيبه وطهارته فبان أن الذكاة عبارة عن


(١) ينظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٣٠٤)، بدائع الصنائع (٥/ ٤٣)، البحر الرائق (٨/ ١٩٥).
(٢) سبق تعريفه في كتاب الصيد.
(٣) ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (٣/ ٢٦)، العدة شرح العمدة (ص ٤٩٣)، الحاوي الكبير (١٥/ ١٤٩)، المجموع شرح المهذب (٩/ ١٢٨).
(٤) أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر رقم (٨٣)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور رقم (٦٩)، وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر رقم (٣٨٦) جميعا بدون قوله: ذكي ميتته، وقال الألباني: صحيح.
ينظر: مشكاة المصابيح (١/ ١٤٩).
(٥) أخرجه أبو داود من حديث سلمة بنت المحُبق في كتاب اللباس، باب في أهب الميتة رقم (٤١٢٥)، والنسائي في السنن في كتاب الفرع والعتيرة، باب جلود الميتة (٤٢٤٣) بلفظ "دباغها طهورها".
قال البوصيري في إتحاف المهرة (١/ ٢٩٤): هذا إسناد فيه مقال، جون بن قتادة قال أحمد: لا يعرف. وقال ابن المديني: معروف، لم يرو عنه غير الحسن. وجهله مرة، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات. قال ابن الملقن في البدر المنير (١/ ٦٠٧): هذا الحديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>