للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدى الحبشة إلا حال الاتصال بالجملة (١).

قيل: لا يصح هذا الوجوه:

أحدها: أن قوله: "إلا السن والظفر" استثناء عام (٢) يعم المتصل والمنفصل.

وقوله: "السن عظم الإنسان والظفر مدى الحبشة" تعلي، ولا يجو أن تكون العلة أخص من الحكم، وحمله على المنفصل تخصيص لها، ويعمهم الحكم الذي هو النهي عن الذكاة بهما (٣).

وقولهم: إنه أضاف العظم إلى الإنسان وذلك لا يكون إلا في حال الاتصال فغير صحيح؛ لأن الإضافة تحصل في الحالين؛ ألا ترى أنه يقال: "سن السمكة" و "صوف الغنم" و "لحم البقر" و "جلد الحمار"، وإن كان منفصلًا، وعلى أن أبا بكر ابن المنذر (٤) روى هذا الحديث وقال فيه: "أما السن فعظم"، فأطلق، ولم يقل فيه: "عظم الإنسان"، وهذا يدل على أن العلة كونه عظما في الجملة.

ولا يجب أن يقال: قد أطلق ههنا، وقيده في الخبر الأول؛ فوجب حمل المطلق على المقيد؛ لأنه إنما يجب حمل المطلق على المقيد ما لم يمنع منه دليل، فإذا منع لم يجب حمله (٥)،


(١) ينظر: المبسوط (١٢/ ٢)، الاختيار لتعليل المختار (٥/ ١٢)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٩١)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (٤/ ١٥٩).
(٢) الاستثناء: عرفه القاضي أبو يعلى بأنه كلام ذو صيغ محصورة تدل على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول. وعرفه الغزالي بالتعريف الذي ذكره القاضي مع تصرف قليل فقال: وحده أنه قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دالة على إن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول. وعرفه الآمدي بأنه: عبارة عن لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال بحرف (إلا) أو أخواتها على أن مدلوله غير مراد مما اتصل به، ليس بشرط ولا صفة ولا غاية. وعرفه الزركشي بأنه: الحكم بإخراج الثاني من الحكم الأول بواسطة موضوعة لذلك. ينظر: العدة في أصول الفقه (٢/ ٦٥٩)، المستصفى (ص: ٢٥٧)، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٢/ ٢٨٧)، البحر المحيط في أصول الفقه (٤/ ٣٦٨).
(٣) ينظر: الشرح الكبير (١١/ ٥٠)، المغني (١١/ ٤٣)، المجموع شرح المهذب (٩/ ٨٠).
(٤) سبقت ترجمته (١/ ١٣٧).
(٥) حمل المطلق على المقيد: معناه أن يكون المقيد حاكما على المطلق، مبينا له، مقيدا لإطلاقه، مقللا من شيوعه وانتشاره؛ فلا يبقى حينئذ للمطلق تناول لغير المقيد. وقد اتفق العلماء أنه إذا اجتمع المطلق والمقيد في كلام واحد، بعضه متصل ببعض، فلا خلاف أن المطلق يحمل على المقيد. كما اتفقوا أن الأصل أنه يجب حمل النص المطلق على إطلاقه والعمل به من هذا الوجه، وكذلك النص المقيد يجب حمله على تقييده والعمل به من هذا الوجه، ولا تجوز مخالفة هذا الأصل أو ذاك إلا بدليل يوجب تقييد المطلق أو إطلاق المقيد. =

<<  <  ج: ص:  >  >>