للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: أما ذبح المجوسي والمتولد بين ما يباح وما يحرم فإنما حرم؛ لأنه فعل آدمي وههنا فعل آدمي وغير آدمي، وأما قولهم أنا غلبنا الضمان فلا يصح؛ لأن ما طريقه الضمان إذا اجتمع فيه موجب ومسقط يسقط يدل عليه ما قالوه: إذا تصادم الفرسان لزم كل واحد نصف دية صاحبه؛ لأنه مات من فعله وفعل صاحبه فسقط ما قابل فعل نفسه، وكذلك إذا شركه في القتل سبع يقسط الضمان ولم يلزمه جميعه، وأما الصيد فإنما تعلق الضمان به في الموضعين لتعلق حق الله تعالى في الموضعين وحرم أكله في الموضعين؛ لأن الرامي له ليس من أهل الذكاة في تلك الحال فبان أن الضمان إنما وجب؛ لأن سببه موجود لا أن علينا الضمان وأيضا حصل سببان أحدهما بغير فعل الآدمي وهو انفلات الصيد وذهابه والآخر بفعل الآدمي وهو الزجر فيجب أن يتعلق الحكم بفعل الآدمي ألا ترى أن رجلا لو حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع فيه حجرا فعثر إنسان بنبكة (١) ووقع في البئر أو على الحجر تعلق الضمان على الحافر أو واضع الحجر فكذلك لو جاء إلى حفرة لم يحفرها أحد فأوسع رأسها أو حفر في أسفلها فوقع فيها إنسان ضمن الذي أوسع رأسها وحفر في أسفلها للمعنى الذي ذكرنا ولا يشبه هذا إذا أرسله مجوسي فزجره مسلم أو أرسله مسلم فزجره مجوسي أن الحكم للإرسال الأول ولا يتعلق بالزجر حكم؛ لأن السببين جميعا حصلا بفعل الآدمي فيتعلق الحكم بالأول منهما كما لو وضع رجل حجرا في طريق المسلمين وحفر آخر بئرا بجنبه فعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر أن الضمان على واضع الحجر، ولا يلزم عليه إذا أرسل للمسلم كلبه وسمي فشاركه كلب آخر ليس بمعلم لكنه استرسل بنفسه أنه لا يحل أكله وأن استرسال الكلب بغير فعل آدمي وإرساله فعل آدمي؛ لأنه لم يوجد شرط الإباحة وهو التسمية (٢).

فإن قيل: النبكة حصلت في الطريق بفعل آدمي؛ لأنها تحصل بمشي الآدميين والجمال والدواب التي مع أصحابها فلا معنى لقولك: إنها حصلت بغير فعل آدمي وإنما


(١) النبكة: أكمة محددة الرأس، وربما كانت حمراء ولا تخلو من الحجارة، وقيل: هي الأرض فيها صعود وهبوط، والجمع نبك، بالتحريك.
ينظر لسان العرب (١٠/ ٤٩٧)، شمس العلوم (٩/ ٦٤٥٨).
(٢) ينظر: الإنصاف (٣/ ٣٨٩)، الشرح الكبير على المقنع (٣/ ٣٦١) (١١/ ١٢ - ١٣)، والمغني (٣/ ٣٦٦ - ٣٦٧)، البحر الرائق (٨/ ٤٠٤)، تبيين الحقائق (٦/ ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>