للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: إنما لم يجز رد النساء؛ لأن الشرع ورد بنسخ ذلك، بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة: ١٠]، ولم ينسخ رد الرجال؛ فوجب بقاؤه على حكم الأصل، ولأن في رد الفداء مصلحة للأسرى، وفي منعه مفسدة عليهم؛ لأنه لا يطلق من بعد غيرة، وفي الوفاء مصلحة؛ لأنه يطلق الأسير فيلحق بدار الإسلام، ويتنجز فكاك رقبته؛ ولأنه لو لم يجز رده إذا لم يكن له عشيرة لم يجز، وإن كان له كالنساء.

ولا يجوز أن يقال: إذا كان له عشيرة يمكنه أن يفي دينه؛ لأن هذا لا يوجب جواز رد النساء، ولأنه لا يمنع الوفاء لهم بهذا الشرط وإن كان فاسدا كما وجب الوفاء لهم بأمان الصبي وإن كان أمانا فاسدا (١)؛ لأن الكافر يكون في أمان؛ ولأن أكثر ما في ذلك أنه بذل ماله في مقابلة حر هذا غير ممتنع كالإمام عليه أن يفدي الأسارى بالمال، وإن كان بذل المال في مقابلة حر؛ ولهذا المعنى قلنا فيمن أسره أهل الحرب فاشتراه رجل مسلم منهم بغير أمر الأسير محتسبا بالثمن عليه كان له الرجوع عليه، نص عليه في رواية صالح وابن منصور وحرب (٢)، وفيه حديث رواه (السائب بن الأقرع) (٣) - عامل عمر - أنه كتب إليه في سبي (٤) العرب ورقيقهم - وقد كان التجار اشتروه - فكتب إليه: "فأيما حر اشتراه التجار فاردد عليهم رءوس أموالهم؛ فإن الحر لا يباع ولا يشترى" (٥)، وهذا يدل على


(١) ينظر الروايتين والوجهين (٢/ ٣٥٨)، المبدع (٣/ ٣٥٢)، الإنصاف للمرداوي (٤/ ٢٠٣).
(٢) ينظر: المغني (٩/ ٢٨٣) الإقناع للحجاوي، (٢/ ١٢) شرح منتهى الإرادات (١/ ٦٤٠)، كشاف القناع (٣/ ٥٦).
(٣) في الأصل (السائب بن عمرو)، والصواب ما أثبته، وهو المثبت في سنن سعيد بن منصور (وسيأتي تخريجه قريبا). وهو: السائب بن الأقرع بن جابر بن سفيان بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم الثقفي، ابن عم عثمان بن أبي العاص. أدرك النبي ومسح برأسه، شهد فتح نهاوند مع النعمان بن مقرن، وكان عمر بعثه بكتابه إلى النعمان بن مقرن، ثم استعمله عمر على المدائن، روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وأبو عون الثقفي، وغيرهما. وقال أبو نعيم: ولي أصبهان، وبها مات وعقبه بها من ولده مصعب بن الفضيل بن السائب.
ينظر: الاستيعاب (٢/ ٥٦٩)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (٣/ ١٣٨٢)، والإصابة لابن حجر (٣/ ١٥).
(٤) سبق التعريف به.
(٥) أخرجه سعيد بن منصور في كتاب الجهاد باب ما أحرزه المشركون من المسلمين ثم يفيئه الله على المسلمين (٢٨٠٣)، والبيهقي في جماع أبواب السير، باب من فرق بين وجوده قبل القسم وبين وجوده بعده وما جاء فيما اشتري من أيدي العدو (١٨٢٥٧). والحديث: ضعيف، فيه علتان، أولاها: أبو حريز البصري =

<<  <  ج: ص:  >  >>