للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: يحمله على ابتداء الوجوب (١).

قيل: الحر عام في الابتداء والاستدامة، وأيضا فإن الجزية عقوبة وجبت بسبب الكفر، والإسلام يسقطها كالقتل الواجب ابتداء قبل قبول الجزية، ولا يلزم عليه الاسترقاق؛ لأنه ليس بعقوبة، ألا ترى أن النساء والصبيان يسترقون، ومعلوم أنهم لا يستحقون العقوبة (٢).

فإن قيل: لا نسلم أن الجزية عقوبة؛ وإنما هي عوض من الحقن والمساكنة في دارنا بدليل النساء والصبيان لا تجب عليهم الجزية؛ لأن دماءهم محقونة.

وبدليل: أنه يجوز عقد الهدنة معهم في دار الحرب أكثر من سنة بغير جزية، ولا يجوز مثل ذلك في دار الإسلام؛ فثبت أنها لحقن الدم والمساكنة (٣).

قيل: الدلالة على أنها عقوبة أنه لا يجوز ابتداؤها في الإسلام، ولا يجب على من ليس من أهل العقوبة، وهم النساء والصبيان، ولو كانت تجب لأجل المساكنة لوجبت على النساء والصبيان؛ لأنهما لا يختلفان في الأجرة؛ لأن العوض إذا وجب بشيئين فتعذر أحدهما وجب بالآخر بقسطه، كرجل ابتاع عبدين؛ فخرج أحدهما مستحقا استحق العوض الآخر بقسطه، فلو كانت تستحق لحقن الدم والمساكنة، وقد عدم شرط الحقن استحقت بالمساكنة، ولأن الذمي يتصرف في دار الإسلام في ملكه؛ فكيف يجوز أن يؤخذ منه البدل؛ فلم يبق إلا أنها عقوبة وجبت؛ لأجل الكفر إلا من شرط استحقاقها السكنى في دارنا، كما أن القتل عقوبة؛ لأجل الكفر، ومن شرطها أن يكون من أهل القتال، وإنما لم يجز إقراره في دارنا بغير جزية؛ لأن من شرط إقراره في دارنا أن يكون محقون الدم وحقن دمه إنما يحصل ببذل الجزية.

وجواب آخر يدل على أنها لا تجب لحقن الدم والمساكنة؛ وإنما هي معاقبة للقتل، متى سقط القتل وجبت الجزية؛ فإذا سقط بالإسلام سقط ما يعاقبه.


(١) ينظر: المجموع شرح المهذب (١٩/ ٤٠٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٣٠٢).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٢/ ٣٥٦)، العناية شرح الهداية (٦/ ٤٥).
(٣) ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (٦/ ٥٧٦)، المبدع في شرح المقنع (٣/ ٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>