للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دار الإسلام فلا يجوز للإمام ردهم إلى دار الحرب، وليس كذلك في مسألتنا فإن الأسير لم يحصل من جهته عوض المقام والسكنى في دار الإسلام فلم يستحق المقام فيها.

وجواب آخر: وهو أن الإمام بالخيار في الأسير بين القتل والاسترقاق ولا يجوز له مثل ذلك في المسلم والذمي فدل على الفرق بينهما (١).

واحتج: بأن من وجب قتله لكفره فلم يجز أن يفادى به كالمرتد (٢).

والجواب: أنا لا نقول وجب قتله بل الإمام مخير في ذلك بين القتل والمن والفداء وعلى أن المرتد أغلظ حكمًا من الحربي؛ لأنه انتقال من دين حق إلى دين باطل ولهذا تزول أملاكه، ولأن الإمام بالخيار في الأسير بين الاسترقاق، والقتل ولا يجوز مثل ذلك في المرتد (٣).

واحتج: بأنه معونة لهم بما يختص القتال فصار كرد السلاح.

يبين صحة هذا: أن السلاح لا يقاتل بنفسه، والرجل يقاتل بنفسه فإذا لم يجز رد السلاح فلأن لا يجوز رد الرجال أولى (٤).

والجواب: أنه لم يجز رد السلاح لوجهين:

أحديهما: أنه ملك للغانمين ومال لهم فلا يجوز دفع مالهم إلى المشركين فأما الرجال فلأنهم لا يملكونهم قبل استرقاق الإمام لهم فجاز ردهم على المشركين، ولأن رد السلاح مضرة بلا منفعة؛ لأنه لا يصلح إلا للقتال ولهذا لم يجز بيع السلاح منهم وليس كذلك في الرجال فإنه قد تكون المنفعة في المن عليهم والفداء؛ لأن فيهم من لا يصلح للقتال والاسترقاق فلا يكون في قتله واسترقاقه فائدة ويكون المن عليه داعيًا إلى إسلامه وإسلام اتباعه والمتصلين به، وقد يكون داعيًا إلى ترك أذية المسلمين، والكف عن قتالهم، وهذا أمر مشهور في العادة، وحكي عن القاضي أبي الفرج أن


(١) ينظر: المغني (٩/ ٢٢١)، الإنصاف (٤/ ١٣٠)، شرح الزركشي (١/ ١٢٥).
(٢) ينظر: بدائع الصنائع (٤/ ٢٢٨)، شرح فتح القدير (٥/ ٤٧٥)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٥٠).
(٣) ينظر: الشرح الكبير (١٠/ ٤٠٦)، الإنصاف (٤/ ١٣٠)، شرح الزركشي (١/ ١٢٥).
(٤) ينظر: المبسوط (١٠/ ١٣٨)، بدائع الصنائع (٤/ ٢٢٨)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>