للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرده العباس فقال أبو سفيان: أغدر يا بني عبد مناف، فقال العباس: لا ولكن تجلس في موضع كذا حتى يبصر جنود الله، فلما مرت به القبائل وكتيبة المهاجرين والأنصار أمره أن يلحق بقومه ويحذرهم، فخرج سريعًا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، قالوا: فمه. قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" قالوا: ويحك وما تغني دارك قال: "ومن دخل المسجد كان آمن ومن أغلق بابه فهو آمن" فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد (١).

فوجه الدلالة: أن النبي عقد لهم الأمان بالشرط الذي ذكره فقبلوه وفعلوه فدخلها ودماؤهم وأموالهم محقونة (٢).

والجواب: أن هذا يعارضه ما رواه أبو هريرة أن أبا سفيان قال: يا رسول الله أبيدت خضراء قريش فلا قريش بعد اليوم، فقال حينئذٍ: "من ألقى سلاحه فهو آمن" (٣) ولا يجوز أن يقول بمر الظهران أبيدت خضراء قريش والنبي لم يقاتلهم بعد، ولا حصل منه نكاية فيهم، فهذا يدل على أنه قاله يوم الفتح بعد ما قتل النبي منهم خلقًا كثيرًا وقهرهم وغلبهم.

وجواب آخر: وهو أنا لو سلمنا أن النبي وقال لأبي سفيان بمر الظهران: "من ألقى سلاحه فهو آمن" لم يدل ذلك على الصلح؛ لأن هذا ليس بصلحٍ وإنما هو أمان معلق بشرط ولم يثبت وجود الشرط، وقولهم: إنهم ألقوا السلاح وتفرقوا فلم يثبت أنهم فعلوا ذلك قبل دخول النبي مكة ويجوز أن يكونوا فعلوا ذلك بعد ما دخلها قهرًا.

يبين صحة هذا: ما روينا في حديث ابن شريح وعمرو بن شعيب وأنه أذن في قتالهم بعد دخوله بساعةٍ ثم أمرهم بكف السلاح، فلو كان قد ألقوا السلاح كيف كان يأمر أصحابه بقتالهم.


(١) أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر مكة، رقم (٣٠٢١)، (٣٠٢٢).
(٢) ينظر: اللباب في فقه الشافعية (ص ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).
(٣) سبق تخريجه ص ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>