للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: ذلك جرى في ناحية منها رأى قومًا بالسلاح لم يقبلوا الأمان فلا يرد بهذا عموم الصلح من الكافة وقبول الأمان من أهل مكة، والاعتبار بالغالب العام دون من وجد في المواضع الخفية على غير شرط القبول للأمان (١).

قيل: أبيحت خضراء قريش ولا قريش بعد اليوم، إشارة إلى جملتها أو غالبها وفيه إظهار الأسف عليها، وهذا لا يكون في طائفة منفردة لا يعتد بها.

وجواب آخر: وهو أن القتال كان على ما يدل عليه ما نذكره إن شاء الله تعالى فيما بعد من قول شاعرهم.

إذ فر صفوان وفر عكرمة (٢) … وهؤلاء كانوا من صناديدها (٣)

فإن قيل: فقد روي أن النبي قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد" (٤) وهذا إنكار لقتال خالد (٥).

قيل: هذا غلط عظيم؛ لأنه لم يقل النبي هذا لأجل قتاله بمكة وإنما بعث النبي السرايا بعد الفتح يدعو الناس إلى الإسلام ولم يأمرهم بالقتال، وبعث خالد بن الوليد داعيًا ولم يبعثه مقاتلًا وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيًا ولم يبعثه مقاتلًا ومعه سليم ومدلج وقبائل من غيرهم، فلما نزلوا الغميضاء وهي ماء من مياه بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة، وكانت بني جذيمة قتلت عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة عم خالد، فلما رأوه أخذوا السلاح فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا فلما وضعوا السلاح أمرهم فكفوا بعضهم وعرضهم على السيف فقتل من قتل منهم، فلما بلغ النبي ذلك قال: اللهم إني أبرأ


(١) ينظر: مختصر المزني (٨/ ٣٨٠)، اللباب في فقه الشافعي (ص ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).
(٢) ينظر: أخبار مكة للأزرقي (٢/ ٢٦٩)، أخبار مكة للفاكهي (٢٤٦٦)، والمعجم الكبير للطبراني (١٧/ ٣٧٢)، والمستدرك للحاكم (٥٠٦٥).
(٣) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، الإنصاف (٤/ ٢٨٨)، بدائع الصنائع (٢/ ٥٨)، البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، رقم (٤٣٣٩)، وكتاب الأحكام، باب إذا قضى الحاكم بجور، أو خلاف أهل العلم فهو رد، رقم (٧١٨٩) من حديث عبد الله بن عمر .
(٥) ينظر: مختصر المزني (٨/ ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>