للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاحصدوهم حصدًا (١).

قيل: لا يصح هذا التأويل؛ لأنا روينا فيه نصا أنه قال: أقبل رسول الله فدخل مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدًا على المجنبة الأخرى وقال: "احصدوهم"، وهذا صريح أنه كان بمكة، ولأن أبا سفيان لما قال له أبيحت خضراء قريش قال: "من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" وأقبل إلى الحجر فاستلمه وطاف، وهذا أيضًا صريح في كونه بمكة؛ لأن دار أبي سفيان والطواف والحجر بمكة (٢).

فإن قيل: يحتمل أن يكون رتبهم بعد دخوله مكة على الصفة المذكورة؛ لئلا يطمعوا في ترك الأمان لا أنه لم يكن هناك أمانًا سابقًا (٣).

قيل: لو كان لهذه العلة فقط لم يقل احصدوهم، ولم يقل أبو سفيان: أبيحت خضراء قريش، ولم يقل: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، والأمان سابق وعلى أن تعبئة الجيش وأخذ عدة الحرب أشعار الغدر أنه قد نقض العهد، ويجوز أن يستظهر بما لا يوهم كالرمل (٤) الذي هو إظهار الجلد وليس فيه ما يوهم نقض العهد (٥).

فإن قيل: قول أبي سفيان: أبيحت خضراء قريش كناية عما كان في خالد بن الوليد في يوم الفتح فإنه ذكر أنهم بدءوه بالقتال (٦).

قيل: فإذا كانوا بدؤوه بالقتال وقاتلهم وقتل منهم، دل على أنه دخلها بالحرب والقتال إذ لو كان هناك عقد صلح لم يبدءوه (٧).


(١) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، رقم (١٧٨٠).
(٢) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، الإنصاف (٤/ ٢٨٨)، بدائع الصنائع (٢/ ٥٨)، البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).
(٣) ينظر: اللباب في فقه الشافعي (ص ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).
(٤) معنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطو من غير وثب. وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم.
ينظر: المغني (٣/ ٣٤٠)، العدة شرح العمدة (ص ٢٠١).
(٥) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، الإنصاف (٤/ ٢٨٨)، بدائع الصنائع (٢/ ٥٨) البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).
(٦) ينظر: مختصر المزني (٨/ ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).
(٧) ينظر: المغني (٤/ ١٩٧)، الإنصاف (٤/ ٢٨٨)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٤٩)، البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>