للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علينا قال: فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله حتى يقضي، قال: فلما مضى الوحي رفع رأسه ثم قال: "يا معاشر الأنصار قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته" قال: قلنا ذلك يا رسول الله! قال: "فمن أنا كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم" قال: فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الظن بالله ﷿ ورسوله قال: فقال رسول الله : "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" (١).

فوجه الدلالة: من هذا الخبر من وجوه:

أحدها: أنه بعث الزبير على إحدى المجنبتين وخالدًا على الأخرى وأبا عبيدة على الجسر، ووقف هو في كتيبته وهذه تعبية القتال وهيئته.

الثاني: قوله: أترون أوباش قريش أحصدوهم حصدًا حتى توافوني بالصفا، وقول أبي سفيان: أبيحت خضراء قريش، وقوله: فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء وهذا كله يمنع الصلح؛ لأنه حثهم على القتال بقوله: "احصدوهم" حتى استقال أبو سفيان من كثرة القتل.

الثالث: قوله: "من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فلو كان الأمان قد سبق بعقد الصلح لم يحتج إلى هذا واكتفى بما تقدم، فلما قال ذلك بعد الدخول علم أنه لم يكن جرى قبل الصلح بينهم وبينه عقد صلح (٢).

فإن قيل: يحتمل أن يكون رتبهم على هذه الصفة وقال: احصدوهم حصدًا، وقال له أبو سفيان: ما قال قبل نزوله بمر الظهران (٣) وقبل عقد الأمان.

بدليل: أن ابن المنذر (٤) روى هذا الحديث في كتابه وقال: إذا لقيتموهم غدًا


(١) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، رقم (١٧٨٠).
(٢) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، الإنصاف (٤/ ٢٨٨)، حاشية ابن عابدين (٤/ ١٣٨)، الاستذكار (١/ ٢٨٢٧).
(٣) بفتح أوله، وتشديد ثانيه، مضاف إلى الظهران، بالظاء المعجمة المفتوحة. وبين مر والبيت ستة عشر ميلا.
ينظر: معجم ما استعجم من أسماء البلاد (٤/ ١٢١٢)، الروض المعطار (ص ٥٣١).
(٤) سبقت ترجمته ص ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>