للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: الأمر بالقتال عام فيه إذا طلبوا السلم أو لم يطلبوا، وأما قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾، فقال السدي (١): نزلت في بني قريظة ثم نسخ الله ذلك فقال: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ ونسختها آية القتال في براءة: ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [التوبة: ٢٩] (٢) ذكر ذلك ابن المنادي (٣) في كتاب الناسخ والمنسوخ وأيضًا قوله تعالى: ﴿الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤]، فلو كان دخلها صلحًا ما كان هو أولى بأن يوصف بأنه ظفر بهم منهم؛ لأن عقد الصلح إنما يتم بهم جميعًا، ولأن إطلاق الظفر يفيد: ما كان عنوة فقال: ظفر بهم إذا كان قد قهرهم، ولأنه ذكر ظفرًا مضافًا إلى الله تعالى وهذا يفيد ما ينفرد به وعقد الصلح يقع بالمشاركة من الآدميين (٤).

فإن قيل: المراد به: القوم الذين نزلوا عليه بالحديبية من جبل التنعيم من قريش فظفر بهم وأطلقهم (٥).

يدل عليه: قوله تعالى بعد هذا: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥].

قيل: لا يجوز أن يكون المراد به الحديبية لقوله: ببطن مكة والحديبية ليست ببطن مكة بل هي خارج الحرم (٦).


(١) هو إسماعيل بن عبد الرحمن ابن أبي كريمة، الإمام، المفسر، أبو محمد الحجازي، ثم الكوفي، الأعور، السدي، أحد موالي قريش. وهو صدوق يهم. مات سنة (١٢٧ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٦٤ - ٢٦٥)، تقريب التهذيب (ص ١٠٨).
(٢) ينظر: الدر المنثور (٤/ ٩٨).
(٣) هو أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين بن المنادي وكان ثقة أمينا ثبتا صدوقا ورعا حجة فيما يرويه محصلا لما يحكيه صنف كتبا كثيرة وجمع علوما جمة قيل: إن مصنفاته نحوا من ٤٠٠ مصنف ولم يسمع الناس من مصنفاته إلا أقلها. ولد سنة (٢٥٦ هـ). ومات يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة (٣٣٦ هـ) ودفن في مقبرة الخيزران.
ينظر: طبقات الحنابلة (٢/ ٣ - ٦)، تاريخ بغداد (٤/ ٢٨٩)، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٣٦١ - ٣٦٢).
(٤) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، الإنصاف (٤/ ٣٨٨)، بدائع الصنائع (٢/ ٥٨)، البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).
(٥) ينظر: مختصر المزني (٨/ ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).
(٦) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٤٩)، البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>