للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إنما نهاهم عن طلب الصلح؛ لأنهم كانوا مستعلين ولم يكن طلب الصلح من جهة النبي وإنما كان من جهة أهل مكة فلم يدخلوا تحت النهي (١).

قيل: النهي إنما كان عن الدخول في السلم في الجملة؛ للعلة التي ذكرنا وهي قوله: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥] وهذا يوجد فيه إذا دعا إليه أو دعي إليه.

وجواب آخر: وهو أصح وهو أنا لا نسلم أنه كان من أهل مكة طلب للسلم بل كانوا على القتال؛ لما نبينه من الأخبار، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ إلى قوله: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٣ - ١٤]، فأمر الله تعالى بقتال أهل مكة لما نقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، ولا يجوز أن يترك قتال من أمره الله تعالى بقتالهم ويعدل إلى الصلح.

ويبين هذا: أن الآية نزلت في أهل مكة لما نقضوا العهد بقتالهم خزاعة حلفاء رسول الله ما روى مجاهد (٢) في قوله تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ قال: عهدتم وفي قوله: ﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ قال: قريشٌ، وفي قوله: ﴿قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤]. قال خزاعة (٣).

فإن قيل: المراد به إذا لم يطلبوا الصلح والسلم، فأما إذا طلبوا السلم أولى. يدل عليه: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١]، فلما جنح أهل مكة للسلم جنح للسلم كما أمره الله تعالى (٤).


(١) ينظر: مختصر المزني (٨/ ٣٨٠)، اللباب في فقه الشافعي (ص ٣٨٠)، الحاوي الكبير (٨/ ٤٠٧)، (١٤/ ٧٠).
(٢) سبقت ترجمته ص ٨٣.
(٣) ينظر: المغني (٤/ ١٩٦ - ١٩٧)، الأحكام السلطانية لأبي يعلى (١/ ٤٨)، بدائع الصنائع (٢/ ٥٨)، حاشية ابن عابدين (٤/ ١٣٨) البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٦).
(٤) ينظر: مختصر المزني (٨/ ٣٨٠)، الحاوي الكبير (١٤/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>