للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: هذه الأخبار خرجت على سبيل وهو أن أصحاب النبي انهزموا وبقي هو في نفر يسير، فقال ذلك تحريضًا لهم على القتال فيجب أن يكون حكمه مقصورًا عليه وهذا كما روى عنه أنه قال: "من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " (١)، ثم كان ذلك محمولًا على الحال التي خرج عليها الكلام كذلك هذا (٢).

قيل: لا يصح هذا لوجوه:

أحدها: أنه نقل حكم وهو: القضاء بالسلب، وسبب وهو: القتل فاقتضى تعلق الحكم بهذا السبب.

والثاني: أن النبي قال هذا بعد تقضي القتال ولو كان للتحريض لكان قبل ذلك.

وهذا ظاهر في حديث أبي قتادة فإنه قال ذلك بعد انقضاء الحرب وجمع الغنيمة وجلوس رسول الله واجتماع الصحابة عنده، وفي تلك الحال لا يحتاج إلى تحريض؛ لأن القصد قد حصل.

الثالث: أن أبا بكر لما ذكر استحقاق أبي قتادة بالسلب لم يذكر التحريض وإنما ذكر مخاطرته بقتله فقال: لا نعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله وعن رسوله فنعطيك سلبه ولو كان كما قاله المخالف لم يقبل ذلك؛ لأن التحريض يحصل في حق من هو عنده يأخذه كما يحصل في حق القاتل (٣).

فإن قيل: إنما استحقوا السلب بهذا الشرط، وهو قوله: من قتل قتيلًا فله سلبه وخلافنا في عدمه (٤).

قيل: هذا شرط مطلق في كل غزاة فيجب حمله على إطلاقه ولو خلينا، وهذا الظاهر لقلنا في قوله: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن"، ومن على


(١) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، رقم (١٧٨٠) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(٢) ينظر: المبسوط (١٠/ ٤٧ - ٤٩)، تحفة الفقهاء (٣/ ٢٩٧ - ٢٩٨)، بدائع الصنائع (٧/ ١١٥)، الهداية شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٩٢).
(٣) ينظر: الأحكام السلطانية (١/ ٥١)، الإقناع (ص ١٧٧)، الحاوي الكبير (٨/ ٣٩٣).
(٤) ينظر: المبسوط (١٠/ ٤٧ - ٤٩)، بدائع الصنائع (٧/ ١١٥)، الهداية شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>