ومما يدل على أن تسليم الحنبلية، لأخبار الصفات من غير تأويل ولا حمل على ما يقتضيه الشاهد، وأنه لا يلزمهم في ذلك التشبيه، إجماع الطوائف من بين موافق للسنة، ومخالف، أن الباري سبحانه ذات وشيء وموجود، ثم لم يلزمنا وإياهم إثبات جسم، ولا جوهر، ولا عرض، وإن كانت الذات في الشاهد لا تنفك هذه السمات، وهكذا لا يلزم الحنبلية ما يقتضيه العرف، في الشاهد في أخبار الصفات.
يبين صحة هذا: أن البارئ سبحانه موصوف بأنه: حي عالم قادر مريد، والخلق موصوفون بهذه الصفات، ولم يدل الاتفاق في هذه التسمية، على الاتفاق في حقائقها، ومعانيها، هكذا القول في أخبار الصفات، ولا يلزم عند تسليمها من غير تأويل إثبات، ما يقتضيه الحد، والشاهد في معانيها.
وبهذا ونظيره استدل الوالد السعيد رحمة الله عليه في كتابه "إبطال التأويلات لأخبار الصفات". فأما الرد على المجسمة الله: فيرده الوالد السعيد بكتاب، وذكره أيضا في أثناء كتبه، فقال: لا يجوز أن يسمى الله جسما.
قال الوالد السعيد: فمن اعتقد أن الله سبحانه جسم من الأجسام، وأعطاه حقيقة الجسم من التأليف، والانتقال: فهو كافر؛ لأنه غير عارف بالله ﷿؛ لأن الله سبحانه يستحيل وصفه بهذه الصفات، وإذا لم يعرف الله سبحانه: وجب أن يكون كافرا. وهذا الكتاب عدة أوراق. واعلم أن الله سبحانه اصطفى رسلا من خلقه؛ فبعثهم بالدعاء إليه، والصبر على ما نالهم من جهلة خلقه، وامتحنهم من المحن بصنوف من البلاء، وضروب من المحن واللأواء، وكل ذلك تكريما لهم غير تذليل، وتشريفا غير تخسير، ولا تقليل، وكان أرفع رسله عنده منزلة؛ أشدهم اجتهادا، وأخذا في إمضاء أمره، مع البلية بأهل دهره، قال الله ﷿ لنبيه ﷺ: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥].