للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت العضباء فأتت على ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت المدينة ونذرت إن نجاها الله تعالى لتنحرنها فلما قدمت عرفت الناقة فأتوا بها إلى النبي فأخبرته المرأة بنذرها فقال: "لا نذر في معصيةٍ ولا فيما لا يملك ابن آدم" (١)، وروي أن النبي أخذ ناقته (٢) فلو كان المشركون ملكوها لملكتها المرأة عليهم ولو ملكتها لما أبطل النبي نذرها ولأخذ الناقة بالقيمة (٣).

والجواب: أن المرأة لم تأخذها بالقهر ولا العوض، وإنما أخذتها على وجه التلصيص، وعندنا أن الأخذ على هذا الوجه لا يملكها ويجب عليها ردها إلى مالكها بغير شيء، وبهذا أجاب أحمد في رواية أبي طالب (٤).

فقال: إذا أخذ العدو من المسلمين فجاء به رجل واحد فهو لصاحبه؛ لأنه ليس له ملك مثل الناقة لما جاءت بها المرأة أخذها ولم يجعل لها ملكًا وهو فصل يأتي الكلام عليه (٥).

واحتج: بما روي أن ابن عمر كان له فرس أخذه العدو وظهر المسلمون فرده عليه رسول الله (٦).

والجواب: أنه لا دلالة في هذا أي على موضع الخلاف؛ لأنا نقول أنه يرد عليه وإن كان قد ملكوه ما لم يقسم وليس في الخبر أنه قسم.

واحتج: بأنه مال أخذه على وجه العدوان والظلم فلا يفيد الملك.


(١) أخرجه مسلم في كتاب النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد، رقم (١٦٤١).
(٢) أخرجه الشافعي في المسند (٢/ ٧٥)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى رقم (١٨٢٤٥).
(٣) ينظر: المجموع (١٩/ ٣٤٣)، روضة الطالبين (١٠/ ٢٩٣)، التنبيه (١/ ٢٣٥)، نهاية المطلب (١٧/ ٤٩٠).
(٤) لم أجد رواية أبي طالب هذه، وينظر: المغني (٩/ ٢٧٣)، كشاف القناع (٣/ ٧٩).
(٥) ينظر: المغني (٨/ ٤٤٦)، تحفة الفقهاء (٣/ ٣٠٤)، بدائع الصنائع (٧/ ١٢٧).
(٦) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم، رقم (٣٠٦٧)، (٣٠٦٨)، (٣٠٦٩). ولكن ليس في هذه الأحاديث أن الراد للفرس هو رسول الله ؛ ففي الحديث (٣٠٦٧): "فرد عليه في زمن رسول الله ".
وفي الحديث (٣٠٦٨): "وأن فرسًا لابن عمر عار فلحق بالروم، فظهر عليه، فردوه على عبد الله".
وفي الحديث (٣٠٦٩): "أنه كان على فرس يوم لقي المسلمون، وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد بعثه أبو بكر، فأخذه العدو فلما هزم العدو رد خالد فرسه".

<<  <  ج: ص:  >  >>