للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن أبي هريرة (١): المسألة على قولين:

أحدهما: عليه الدية.

والثاني: لا دية (٢)، والكلام في الدية قد سبق في التي قبلها، وأما الكفارة فيدل على وجوبها قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: ٩٢]، ولم يفرق، ولأنه آدمي محصون بحرمته؛ فوجبت الكفارة على قاتله إذا كان من أهل الضمان.

أصله: إذا لم يتترس به، وإنما كان واقفًا فرمى إلى دار الحرب فأصابه، ولا يلزم عليه إذا قتل صبيان الحرب ونساءهم؛ لأن حقن دمائهم لا لحرمتهم، وإنما هو لحرمة الغانمين؛ لأنهم حصلوا أموالهم وخولهم (٣)، ولا يلزم عليه إذا قتله حربي؛ لقولنا من أهل الضمان، ولا يلزم عليه إذا رمى حصون المشركين وفيها أسارى المسلمين فأصابهم؛ لأنه يجب عليه الكفارة كمسألتنا سواء، وإن شئت قلت: محقون الدم بالإيمان، وقاتله من أهل الضمان؛ فوجب أن تلزمه الكفارة.

دليله: ما ذكرنا، وفي احتراز من صبيانهم ونسائهم؛ لأن حقن دمهم ليس بإمرار، وفيه احتراز من الحربي إذا قتل مسلمًا؛ لأنه ليس من أهل الضمان (٤).

فإن قيل: لا تأثير لقولك محقون الدم بالإيمان؛ لأن من قتل كافرًا محقون الدم بالأمان وجبت عليه الكفارة (٥).


(١) هو الإمام، شيخ الشافعية، أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة البغدادي، القاضي، من أصحاب الوجوه. انتهت إليه رئاسة المذهب. تفقه بابن سريج ثم بأبي إسحاق المروزي، وصنف شرحا لـ (مختصر المزني). أخذ عنه: أبو علي الطبري، والدارقطني وغيرهما، واشتهر في الآفاق، توفي سنة (٣٤٥ هـ). ينظر: سير أعلام النبلاء (١٥/ ٤٣٠)، طبقات الشافعية الكبرى (٣/ ٢٥٦)، طبقات الشافعيين (١/ ٢٤٩).
(٢) ذكره عنه الماوردي في الحاوي الكبير (١٤/ ١٨٩).
(٣) الخول: ما أعطاك الله من العبيد والنعم.
ينظر: العين (٤/ ٣٠٥)، تهذيب اللغة (٧/ ٢٣١).
(٤) ينظر: المبدع (٧/ ٢٠٢)، الإنصاف (٤/ ١٢٩)، الإقناع، (٤/ ١٦٨).
(٥) ينظر: السير الصغير (ص ١٣٥)، المبسوط (١٠/ ٦٥)، بدائع الصنائع (٧/ ١٠٢)، الهداية شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>