للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوم عدو لكم وهو مؤمن؛ لأن حروف الصفات يقام بعضها مقام بعض، ويكون هذا أولى؛ لأنا نقيم حرفًا مقام حرفٍ، وأنتم تضمرون في الآية إضمارين:

أحدهما: أن يكون ابتداء إيمانه في دار الحرب.

والثاني: أن لا يكون خرج إلينا، وإقامة حرف مكان حرف أولى من إضمارين مع استقلال الكلام عن إضمار، وأيضًا فإنه مقتول في دار الحرب بفعل ليس بتفريط من جهته فلا يجب بذل نفسه.

أصله: إذا أسلم هناك ولم يخرج إلينا، ولا يلزم عليه إذا علمه مسلمًا؛ لأنه منسوب فيه إلى التفريط؛ لأنه لو سدد يدة وصوت فعله لم يعدل عن المشرك إلى المسلم ولم يخرج من جهة إلى جهة لم يقصدها (١).

فإن قيل: المعنى في الأصل أنه لم يحرز دمه بدار الإسلام، وهذا قد أحرز دمه بدار الإسلام (٢).

قيل: إن لم يحرزه بالدار فقد أحرزه بالإسلام يدل على صحة هذا حقن دمه، فكان يجب أن يكون الاعتبار في الضمان بالإسلام، كما كان الاعتبار به في الحقن، ويبين صحة هذا أن الاعتبار في سقوط الضمان بالردة دون الدار فيجب أن يكون الاعتبار في ثبوت الضمان بالإسلام دون الدار بم يثبت أن إسلامه في الأصل لم يوجب ضمانه كذلك في مسألتنا، وأيضًا فإنه إذا لم يعرف إسلامه كان مأمورًا برميه وضربه وطعنه، ولا يجوز أن يؤمن به، ويجب عليه ضمانه، ولا يلزم عليه وجوب الكفارة؛ لأن الكفارة قد تجب بفعله وإن كان مأمورًا به، ألا ترى أن الحالف يؤمر بالحنث، ويجب بالكفارة، ولا يجوز أن نأمره بقتل، ونوجب عليه الدية، ولا يلزم عليه رمي الهدف في دار الإسلام أنه مأمور به أو مأذون فيه، ومع هذا يضمن ما أصاب؛ لأنه مأمور بالرمي إلى الهدف، ومنهي عن الرمي إلى المسلمين، وإذا رمى الهدف فأصاب مسلمًا فقد أخطأ في الرمي وعدل عن


(١) ينظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٠٥)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٦٧)، الهداية شرح البداية (٢/ ١٥٣).
(٢) ينظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٠٥)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>