للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطور الثاني من حياة القاضي هو طور اتصاله وتلقيه على يد الشيخ أبي عبد الله بن حامد، ذاك الطور من حياته الذي كان قد رشحه للتدريس إلى جانب التحصيل، فما كاد يسافر شيخه لحج بيت الله حتى قعد مكان هذا الشيخ، ولم يعقه ذلك عن تحصيل العلم والاستمرار في الاستزادة منه، انتقل القاضي أبو يعلى من دار القز؛ حيث كان يقيم ابن مفرحة إلى باب الشعير؛ حيث كان مسجد أبي عبد الله بن بن حامد إمام الحنابلة، في زمانه، ومؤدبهم، ومدرسهم، ومفتيهم، ذاك الشيخ كانت له المصنفات المختلفة في سائر العلوم: في الفقه، والأصول، وكان من أكبر تلامذة أبي بكر غلام الخلال (١)، صحب القاضي أبو يعلى الشيخ أبا عبد الله بن حامد، ولازمه وتفقه عليه، وكان الشيخ كثير الحج إلى بيت الله، فلما أراد الخروج إلى الحج سنة اثنتين وأربعمائة سأل: على من ندرس؟ وإلى من نجلس؟ فقال: إلى هذا الفتى -وأشار إلى القاضي أبي يعلى.

انتقل القاضي أبو يعلى إلى الطور الثالث من أطوار حياته؛ وهو طور الإلقاء والتدريس، فالقدر الكبير من التحصيل مهد للقاضي الطريق إلى أن يجلس مكان أستاذه للتدريس وهو في هذه السن المبكرة. فالقاضي أتقن العلوم الإسلامية إتقانًا كبيرًا، فكان متقدمًا على فقهاء عصره بقراءته للقرآن بالقراءات العشر، وكثرة سماعه للحديث، وعلو إسناده في المرويات (٢)، وهذا القدر من التحصيل والإلمام جعله يتولى التدريس عند غياب شيخه بأمر منه، ولكن لما توفي شيخه كان لا بد للقاضي من الجلوس مكانه للتدريس، والإفتاء، وذاعت شهرة القاضي في الآفاق؛ فقد كان لشيخه الذي خلفه القاضي في حلقته تلامذة كثيرون، وأخذ المئات من


(١) أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد البغدادي: كان مولده سنة خمس وثمانين ومائتين، من مصنفاته: "المقنع"، و"الشافي"، "زاد المسافر". توفي لعشر بقين من شوال سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وله ثمان وسبعون سنة. تاريخ بغداد (١٠/ ٤٥٩)، طبقات الحنابلة (٢/ ١١٩).
(٢) طبقات الحنابلة (٢/ ١٩٨)، تاريخ الإسلام (٣٠/ ٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>