للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن دل هذا فإنما يدل على مدى حرص والده على أن ينشأ ابنه هذه النشأة العلمية فور ما بدأ ابنه يعقل نطق الألفاظ، ويجيد السير على قدميه، ويستقل بأمور نفسه، ولم يكن حرص الوالد على تنشئة ابنه هذه التنشئة قاصرة على حياته فقط، بل إن والده -قبل وفاته- أوصى بتربيته إلى رجل صالح يعرف بالحربي (١)، وقد كان هذا الرجل يسكن بدار القز (٢)، فنقل القاضي من باب الطاق (٣) الذي كان يقيم فيه مع والده إلى شارع دار القز الذي يسكنه وصيه الذي يقوم على تربيته، وكان في هذا الشارع مسجد يصلى فيه شيخ صالح يعرف بابن مفرحة (٤) المقري، فلقن ابن مفرحة القاضي ما جرت العادة بتلقينه، لكن القاضي أراد المزيد، فقال له الشيخ: "إن أردت المزيد فعليك بالشيخ أبي عبد الله بن حامد (٥)؛ فإنه شيخ الطائفة، ومسجده بباب الشعير" (٦).

هذا كان الطور الأول من حياة القاضي أبي يعلى الذي حفظ فيه كتاب الله - تعالى- على يد ابن مفرحة، وتلقى وسمع أحاديث رسول الله من أبي الحسن على بن معروف، وغيره، كما تلقى في هذا الطور من حياته عبارات من مختصر

الخرقي.


(١) لم أجد له ترجمة في ما بين يدي من كتب.
(٢) دار القز: محلة كبيرة في الجانب الغربي من بغداد تقع في طرف الصحراء، بينها وبين البلد نحو فرسخ، الأنساب (٢/ ٤٧١)، معجم البلدان (٢/ ٤٢٢).
(٣) باب الطاق: محلة كبيرة في الجانب الشرقي ببغداد، تعرف بطاق أسماء.
معجم البلدان (١/ ٣٠٨).
(٤) ابن مفرحة: شيخ صالح كان يقيم بدار القز، وكان يقرئ القرآن، ويلقن من يقرأ عليه عبارات من مختصر الخرقي. طبقات الحنابلة (٢/ ١٩٣)، تاريخ الإسلام للذهبي (٣٠/ ٤٥٥).
(٥) هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي، إمام الحنابلة، في زمانه ومدرسهم ومفتيهم له المصنفات في العلوم المختلفات له الجامع في المذهب نحوا من أربعمائة جزء وله شرح الخرقي وشرح أصول الدين وأصول الفقه. وتوفي راجعا من مكة بقرب واقصة سنة ثلاث وأربعمائة، طبقات الحنابلة (٢/ ١٧١)، المقصد الأرشد (١/ ٣١٩).
(٦) طبقات الحنابلة (٢/ ١٩٣)، تاريخ الإسلام للذهبي (٣٠/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>