للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي يدل على صحة تأويل أبي بكر: ما رواه بكر بن محمد (١) عن أبيه (٢) عن أحمد قال: يروى عن أبي حنيفة: إذا نقع فاشتد صار مسكرًا، وإذا طبخ واشتد ليس به بأس (٣). قال أبو عبد الله: وفي مذهبنا فكله خمر (٤).

واحتج: بأن كل ما لا يحظره العقل، فأصله عندنا على الإباحة حتى يرد السمع بحظره، ولا سمع في حظر هذه الأشربة، فهي باقية على أصل الإباحة (٥).

والجواب: أنا لا نسلم لك هذا الأصل؛ لأن عندنا أن ما لا يحظره العقل فأصله على الحظر حتى يدل الدليل على إباحته، وعلى أن الدليل قد دل على حظر هذه الأشربة بما تقدم من الأدلة الصحاح (٦).

واحتج: بأن هذا نسخ لما ثبت إباحته من النبيذ، والنسخ بأخبار الآحاد لا يجوز (٧).

والجواب: أنا إن قلنا إنه تواتر من طريق المعنى صح النسخ، وإن قلناك لا يبلغ حد التواتر، فإنه يبطل بتحريم نكاح المتعة، وتحريم الكلام الذي كان يتعلق به إصلاح الصلاة، فإن فيهما خلافا، وقد أثبت المخالف تحريمها (٨)، ونقلهما عن الأصل بأخبار التواتر، وكل جواب له عن ذلك فهو جوابنا في تحريم النبيذ (٩).


(١) هو بكر بن محمد بن الحكم النسائي الأصل أبو أحمد البغدادي المنشأ، ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه، وعنده مسائل كثيرة سمعها من أبي عبد الله.
ينظر: طبقات الحنابلة (١/ ١١٩)، المقصد الأرشد (١/ ٢٨٩).
(٢) هو محمد بن الحكم أبو بكر الأحول، قال أبو بكر الخلال: كان قد سمع من أبي عبد الله ومات قبل موت أبي عبد الله بثماني عشرة سنة، ولا أعلم أحدا أشد فهما من محمد بن الحكم فيما سئل بمناظرة واحتجاج ومعرفة وحفظ، وكان أبو عبد الله يبوح بالشيء إليه من الفتيا لا يبوح به لكل أحد، وكان خاصا بأبي عبد الله، وكان له فهم سديد وعلم، وكان ابن عم أبي طالب، وبه وصل أبو طالب إلى أبي عبد الله، وتوفي سنة (٢٢٣ هـ).
ينظر: طبقات الحنابلة (١/ ٢٩٥)، الجرح والتعديل (٣/ ٢/ ٢٣٦) ..
(٣) ينظر: تحفة الفقهاء (٣/ ٣٢٧)، بدائع الصنائع (٥/ ١١٥)، الهداية (٤/ ٣٩٣).
(٤) ينظر: المغني (٩/ ١٥٩)، المحرر في الفقه (٢/ ١٦٣)، الإنصاف (١٠/ ٢٢٨).
(٥) ينظر: بداية المبتدي (١/ ٢٢٧)، تحفة الفقهاء (٣/ ٣٢٨).
(٦) ينظر: المغني (٩/ ١٥٩)، العدة في أصول الفقه (٤/ ١٢٤٩)، الإنصاف (١٠/ ٢٢٨).
(٧) ينظر: كشف الأسرار (٤/ ١١٥)، البناية (٢/ ١٤٣).
(٨) ينظر: تحفة الفقهاء (٢/ ١١٩)، الجوهرة النيرة (٢/ ١٨)، البناية (٥/ ٦٣).
(٩) ينظر: المغني (٩/ ١٦٠)، شرح الزركشي (٦/ ٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>