للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي عن أنس أنه قال: "حرمت الخمر، وما بالمدينة شراب يشرب إلا من التمر والبسر (١)، وعن ابن عمر: "حرمت الخمر، وما بالمدينة يومئذ منها شيء" (٢).

وإذا صح ذلك ثم ثبت تحريم الخمر عند الكافة حتى لم يشك أحد فيه، وورد النقل به متواترًا (٣). فلو قلنا: كانت هذه الأنبذة محرمة كتحريمها؛ لوجب أن يعرفه الكافة، ويرد النقل به متواترا؛ إذ كانت بلواهم بها أشد، وحاجتهم إلى معرفة تحريمها أمس، فلما لم يرد النقل به متواترا علم أنها مبقاة على أصل الإباحة (٤).

والجواب: أنه لا يمتنع أن يكون البيان عاما، والنقل إلينا خاصا من طريق الآحاد (٥) كما أن رجم ماعز (٦)، و، وحجة الوداع يعلم أنه كان عاما، والنقل به خاصا، وعلى أن النقل الوارد فيه تواتر من طريق المعنى؛ لأنه يزيد على ما يقوله في الأخبار المروية في إثبات


= وأورد هذا البيت ابن قتيبة في الأشربة (ص ١٩٢ - ١٩٣)، وفي الشعر والشعراء أيضا (١/ ٢٥٣).
ومدامة مما تعتق بابل … كدم الذبيح، سلبتها جريالها
فقال: شربتها حمراء وبلتها ببيضاء. يريد أن حمرتها صارت دما.
(١) أخرجه مسلم (٣/ ١٥٧٢) كتاب الأشربة، باب: تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر رقم (١٥٦٨).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب الخمر من العنب رقم (٥٥٧٩)، السنن الكبرى في كتاب الأشربة، باب ما جاء في تفسير الخمر الذي نزل تحريمها رقم (١٧٣٥٧).
(٣) خبر التواتر: هو ما خبر به القوم الذين يبلغ عددهم حدا يعلم عند مشاهدتهم بمستقر العادة أن اتفاق الكذب منهم محال، وأن التواطؤ منهم في مقدار الوقت الذي انتشر الخبر عنهم فيه متعذر، وأن ما خبروا عنه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله وأن أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية الى الكذب منتفية عنهم.
ينظر: الكفاية في علم الرواية، (١/ ١٦)، تدريب الراوي (٢/ ١٧٧)، شرح نخبة الفكر، للقاري (١/ ١٩١).
(٤) ينظر: بدائع الصنائع (٥/ ١١٦)، العناية (١٠/ ١٠٦)، البناية (١٢/ ٣٨٥).
(٥) خبر الآحاد فهو ما قصر عن صفة التواتر ولم يقطع به العلم وان روته الجماعة.
ينظر: الكفاية في علم الرواية (١/ ٦١)، شرح نخبة الفكر (١/ ١٩١).
(٦) هو ماعز بن مالك الأسلمي. أسلم وصحب النبي وهو وهو الذي أصاب الذنب ثم ندم فأتي رسول الله فاعترف عنده. وكان محصنًا. فأمر به رسول الله فرجم. وقال: "لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزت عنهم".
قال ابن حبان: له صحبة.
ينظر: الإصابة (٥/ ٥٢١)، الطبقات الكبرى (٤/ ٢٤١، ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>