للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فذكر الحديث إلى أن قال: "ثم دعا بعشر من نبيذ قد كاد يصير خلا" قال: اشرب، فأخذته، فشربت، فما كدت أن أسيغه ثم أخذ، فشرب ثم قال: يا عتبة. اسمع إننا ننحر كل يوم جزورا، فأما ودكها وأطايبها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر نأكل هذا اللحم الغليظ، ونشرب هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا" (١)، وهذا يدل على أنه كان حامضا، والذي يؤكد هذا ما رويناه عنه من الأخبار الصحاح في تحريمه (٢).

واحتج: بما روي عن عمر: أنه كتب إلى عمال أني أتيت بشراب من الشام يطبخ حتى يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه، يبقى حلاله، ويذهب حرامه، فمره من قبلك أن يتسعوا به في أشربتهم، وروي أنه ناول منه عبادة بعد ما شربه فقال عبادة: ما أرى النار تحل شيئا، فقال له عمر: يا أحمق. أليس يكون خمرًا ثم يكون خلا فنأكل؟ (٣).

والجواب: أنه يحتمل أن يكون على صفة لا يحصل فيه شدة مطربة، والذي يبين صحة هذا: ما رواه أبو حفص (٤) في تحريم النبيذ بإسناده عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب صلى على جنازة، فأخذ بيد ابن له، فقال: "يا أيها الناس. إني وجدت من هذا ريح الشراب، إني سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته" قال السائب: "فلقد رأيت عمر جلد ابنه بعد الحد ثمانين" (٥).

واحتج: بما روي عن علقمة (٦) قال: شربنا عند عبد الله بن مسعود نبيذا صلبا آخره يسكر (٧).

فالجواب: أنا قد روينا عن ابن مسعود خلاف هذا، وهو قوله: "لا تسقوا أولادكم السكر، فإن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم" (٨)، وعلى أنه يحتمل أن يكون حدث فيه


(١) لم أقف على هذه الرواية.
(٢) ينظر: بداية المجتهد (٣/ ٢٥)، الحاوي (١٣/ ٣٨٩).
(٣) ينظر: المبسوط (٧/ ٢٤)، تبيين الحقائق (٦/ ٤٨).
(٤) سبقت ترجمته ص ٩١.
(٥) ينظر: الأم (٦/ ١٥٦)، المغني (٩/ ١٦٣)، الأشربة، لأحمد (١/ ٤٦) رقم (٨٥).
(٦) سبقت ترجمته ص ٩٥.
(٧) لم أقف عليه.
(٨) أخرجه أحمد في الأشربة (١/ ٢٨) رقم (١٢٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ١٠) رقم (٢٠١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>