للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السكنى على التأبيد فإذا تركها في الحال ولم ينو الترك أبدًا فقد بر في هذه الحال والحنث من بعد يتعلق بفعل السكنى لا بالنية فاعتبار نيته في ترك العود لا معنى له (١).

واحتج المخالف: بقوله تعالى: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩]، فجعل البيوت التي فيها متاع لنا ولسنا فيها غير مسكونة لنا فإذا انتقل منها وخلف متاعه فيها خرجت من أن تكون مسكونة له فيجب أن لا يحنث (٢).

والجواب: أن الآية تناولت بيوتًا لهم فيها متاع ولم يسكنوها أنها لا تصير مسكونة لهم وكذا نقول نحن وخلافنا في بيوت لهم فيها متاع وقد سكنوها ثمّ انتقلوا عنها وتركوا المتاع فيها هل يخرج من أن تكون مسكونة لهم أم لا والآية لا تتناول هذا الموضع فلا دلالة فيها على موضع الخلاف.

يبين صحة هذا: أنه قد قيل في التفسير فيها متاع لكم لاتقاء الحر والبرد وقضاء الحاجة ولم يرد المتاع الذي هو الأثاث ولو أراد المتاع على ما ظنوا فليس كل متاع يصير به ساكنًا حتى يكون مما يسكن بمثله (٣).

والذي يدل على صحة ما حكيناه عن أهل التفسير: ما ذكره يحيى بن سلام في تفسيره في قوله: ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩]، يعني الخانات وهي الفنادق فيها متاع لكم ينزلها الرجل في سفره فيحمل فيها متاعه فليس عليه أن يستأذن في ذلك البيت؛ لأنَّه ليس له أهل يسكنونه، وقال السدي (٤): "لكم فيها متاع يعني منافع لكم من الحر والبرد" (٥)، وعن مجاهد (٦) قال: "كانوا يصنعون بالطريق أقتابًا وأمتعة في بيوت ليس فيه أحد" (٧).


(١) ينظر: الإنصاف (١١/ ٧٨)، الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ٢٠٧)، المغني (٩/ ٥٦٨)، المبدع (٨/ ١١٤)، كشاف القناع (٦/ ٢٦٧).
(٢) ينظر: روضة الطالبين (١١/ ٣٠)، أسني المطالب (٤/ ٢٥٣)، الحاوي (١٥/ ٤٥٦)، البيان (١٠/ ٥٢٥).
(٣) ينظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ٢٠٨)، المغني (٩/ ٥٦٩)، المبدع (٨/ ١١٤)، كشاف القناع (٦/ ٢٦٧).
(٤) سبقت ترجمته (١/ ٣٩٥).
(٥) أخرجه ابن أبي زمنين في تفسير القرآن العزيز (٣/ ٢٢٨) بسند صحيح عنه.
(٦) سبقت ترجمته (١/ ٨٣).
(٧) أخرجه الطبري في تفسيره (١٧/ ٢٥٠)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٨/ ٢٥٦٩) بسند صحيح عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>