للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحنث ويتأوله المخالف على أن قلبه يكون حيث رحله إلا أنه أراد أن صاحبه يكون ساكنًا معه وهذا خلاف الحقيقة.

وأصل هذا الحديث أن النبي لما دخل المدينة أخذ أبو أيوب الأنصاري رحله ونقله إلى بيته ثم سأله جماعة من الأنصار أن ينزل عليهم فقال: المرء حيث رحله ذكره أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (١) في تاريخه المعروف بتاريخ الإشراف "أن النبي لما هاجر المدينة بركت ناقته عند مربد (٢) ليتيمين فجاء أبو أيوب وامرأته والناس يكلمونه في النزول عليهم فحطأ رحله منزلهما فلما رآهما قد فعلا ذلك قال: المرء مع رحله" (٣) وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: "من قدم ثقله قبل وقت النفر فلا حج له" (٤).

والمعنى فيه أنه يصير في الحكم كأنه في الموضع الذي فيه رحله وكأنه قد نفر قبل أن يحل النفر وقوله لا حج له يعني حج له يعني به نفي الفضل لا نفي الأصل (٥).

فإن قيل: معناه قلبه حيث رحله (٦).

قيل: لا يصح لوجهين:

أحدهما: أن ذلك معلوم ضرورة فلا يحمل عليه

والثاني: أن القلب غير المرء لقوله تعالى: ﴿الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤]، ولأن الشافعي قد قال: إذا انتقل ونوى ألا يرجع إليها بر في يمينه ولو خرج عقيب اليمين ولم ينو ترك العود حنث في يمينه. فنقول: إنما حنث؛ لأنَّه لم يزل ما صار به ساكنًا كذلك إذا نوى أن لا يعود ولا يجوز أن يقال البر حصل بنيته أن لا يعود؛ لأنَّه حلف على ترك


(١) هو أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري البغدادي، الكاتب. أبو بَكْر الأديب. روى عن عبد الله بن صالح العجلي، وعفان، وهوذة، وغيرهم، وروى عنه: يحيى بن النديم، وأحمد بن عمّار، وجعفر بن قدامة، وغيرهم. وقال الذهبي: صاحب كتاب البلدان، صنفه وأحسن تصنيفه. مات بعد (٢٧٠ هـ).
ينظر: تاريخ الإسلام (٦/ ٥٠٥)، سير أعلام النبلاء (١٣/ ١٦٢، ١٦٣).
(٢) المربد: فضاء وراء البيوت يرتفق به ينظر: جمهرة اللغة (١/ ٢٩٧)، المحكم والمحيط الأعظم (٥/ ١٩٦).
(٣) أنساب الأشراف للبلاذري (١/ ٢٦٦).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، رقم (١٥٣٩٢)، وصححه ابن حزم في المحلى (٧/ ٥٥٢).
(٥) ينظر: المغني (١٣/ ٥٤٩)، الإنصاف (١١/ ٧٨) المبدع (٨/ ١١٤)، كشاف القناع (٦/ ٢٦٧).
(٦) ينظر: أسني المطالب (٤/ ٢٥٢)، الحاوي (١٥/ ٤٥٦)، البيان (١٠/ ٥٢٥)، تحفة المحتاج (١٠/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>