للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]، لفظة لفظ الأمر وهو نهاية في الزجر، ولهذا المعنى قال أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة إذا سألته الطلاق فقال لها: أنت خلية وقع الطلاق وإن لم ينوه لدلالة الحال (١) وزاد أصحاب أبي حنيفة فقالوا: لو قالت له أريد أن أخرج فقال لها: لا تخرجين، فقالت: أريد أن أخرج فقال: إن خرجت فأنت طالق حمل على ذلك الخروج بعينه (٢)، وكذلك لو قال له تغد عندي فقال لا أتغدى، فقال: تغد عندي فقال: إن تغديت فامرأتي طالقة حمل على ذلك الغداء بعينه اعتبارًا بدلالة الحال (٣)، وكذلك قال الجميع لو قال لامرأته: خلعتك ثم قال: أردت به الطلاق صدق (٤)، ولو خلعها على ألف درهم وقال: أردت به الطلاق لم يصدق لدلالة الحال وهو ذكر العوض (٥)، كذلك هاهنا دلالة الحال تدل على أن من حلف لا شربت لك الماء عند المنة عليه بالطعام أنه قصد الامتناع فيجب أن يحمل عليه (٦) ولهذا المعنى أوجب أصحابنا حد القذف بالتعريض (٧) وللمخالف على هذه الطريقة أسولة (٨) قد ذكرتها في كتاب الطلاق في مسألة سؤالها الطلاق وجوابه بالكناية من غير نية معها وقد سبق الجواب عنها بما فيه كفاية (٩)، ولأن دلالة الحال تؤثر في حكم الأفعال، وتستباح بها الدماء ألا ترى أن من قصد رجلًا بسيف والحال تدل على اللعب والمزح لم يجز له قتله وإن دلت الحال على الجد جاز له قتله ولو هجم على داره غيره وظاهره الصلاح لم يجز له قتله وإن كان ذاعرًا جاز له قتله ليدفعه عن جريمة فإذا أثرت دلالة الحال في الأفعال وإباحة القتل فلن يؤثر في الألفاظ والكلام أولى.


(١) ينظر: الروايتين والوجهين (٢/ ١٤٤)، والمبسوط (٩/ ٨٨).
(٢) ينظر المبسوط (٨/ ١٦٨)، وتحفة الفقهاء (٢/ ٢٩٤).
(٣) ينظر: المبسوط (٨/ ١٦٨)، والبناية شرح الهداية (٦/ ١٦٢).
(٤) ينظر: المبسوط (١٧٥٦)، والبحر الرائق (٣/ ٣٣٢).
(٥) ينظر: تحفة الفقهاء (٢/ ١٩٩)، وبدائع الصنائع (٣/ ١٤٤).
(٦) ينظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ١٩٦)، المغني (٩/ ٥٦٤).
(٧) ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (٧/ ٣٦٤٧) رقم (٢٦٦٢)، الإرشاد إلى سبيل الرشاد (١/ ٤٧٤).
(٨) أسولة: وهو جمع سؤال. ينظر: الخصائص (١/ ٥٤)، لسان العرب (١١/ ٣٥٠).
(٩) ما زال هذا الكتاب في عداد المفقودات.

<<  <  ج: ص:  >  >>