للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لو كان هذا جاريًا مجرى ألفاظ صاحب الشريعة لوجب أن يخصص به كما خصصت بألفاظ صاحب الشريعة فيقول: إذا حلف لا أكلت الرؤوس أن يحمل يمينه على رؤوس الأنعام؛ لأن العرف إن هذه مقصودة باليمين ولما لم يخصص به لم يعمم به ألا ترى أن ألفاظ صاحب الشريعة لما صح أن يخصص بها نحو قوله: اقتلوا المشركين يجوز أن يخصص بدليل: جاز أن يعمم بها نحو قوله : "لا تبيعوا البر بالبر" (١)، عممنا هذا بالدليل واستنبطنا معناه فألحقنا به كل مطعوم أو كل مكيل (٢).

قيل: إنما لم يخصص به؛ لأن ذلك عرف قائم في الفعل وهو يختلف باختلاف المواضع وعممنا به؛ لأن ذلك عرف قائم في وضع اللغة فأما ألفاظ صاحب الشريعة فإن العموم يختص اللفظ وكذلك الخصوص فلهذا عممنا بها وخصصنا وعلى أنا قد بينا أنه لا يمتنع أن يعمم به ولا يخصص به كالقياس مع النص وأيضًا فإن دلالة الحال تؤثر في حكم الكلام.

بدليل: أن اللفظة الواحدة تحمل على المدح تارة وعلى الذم أخرى لما يقارنها من دلالة الحال ألا ترى أنك تقول للمستحق للمدح يا فاضل فيفهم منه المدح ولو كانت الحال حال ذم فقلت يا فاضل فهم منه الذم والصيغة واحدة لكن لدلالة الحال حصل الفرق بينهما (٣).

ويبين صحة: هذا قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤].

وقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩].


(١) بهذا اللفظ أخرجه البيهقي في الكبرى، رقم (١٠٤٧٦) من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا بلفظ: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر … ". وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، رقم (١٥٨٧) بلفظ: سمعت النبي "ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر … ".
(٢) ينظر: الحاوي الكبير (١٥/ ٣٦٢)، الأم (٣/ ١٥)، المجموع (١٠/ ٦١).
(٣) ينظر: شرح منتهى الإرادات (٣/ ٨٨)، مطالب أولي النهى (٥/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>