للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد به ذكاة الجنين كذكاة أمه كما قال تعالى: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣] معناه: كعرض السموات والأرض وكما قال الشاعر (١):

فعيناك عيناها وجيدك جيدها (٢)

ومعناه عيناك كعينيها وجيدك كجيدها، وكما قال:

النشر مسك والوجوه دنانير … وأطراف الأكف عنم (٣)

ومعناه: النشر كالمسك والوجوه كالدنانير، ويقال: مذهبي مذهبك واعتقادي اعتقادك يعني مثل مذهبك ومثل اعتقادك، ويحتمل أيضًا مثل ما قلتم، وهو أن ذكاة الأم ذكاة للولد فإذا احتمل الأمرين لم يكن حمل الخبر على أحدهما بأولى من حمله على الآخر (٤).

قيل: هذا وإن كان مستعملا في كلام العرب فلا يمكن استعماله ههنا لوجوه:

أحدهما: إن اسم الجنين حقيقة في الولد ما دام مستجنا في بطن الأم وبعد خروجه لا يسمى جنينًا، وفي تلك الحال لا تكون ذكاته كذكاة الأم؛ لأنه لا يمكن ذبحه فلم يمكن حمل الخبر عليه؛ ولهذا سمى الجن بهذا الاسم لاستتارهم عن الأبصار وسمي المجن بهذا الاسم؛ لأنه لستر المحارب (٥).


(١) هو غيلان بن عقبة بن مسعود ابن حارثة بن عمرو بن ملكان بن عدي المعروف بذي الرمة الشاعر المشهور، توفي وهو متوجهًا إلى هشام بن عبد الملك في الشام. ينظر: تاريخ دمشق (٤٨/ ١٤٢).
(٢) الجيد: هو العنق، وقيل: مقلده، وقيل: مقدمه، وقد غلب على عنق المرأة، وجمعه: أجياد، وجيود. والجيد، بالتحريك، طول العنق وحسنه، وقيل دقتها مع طول؛ جيد جيدًا وهو أجيد.
ينظر: شمس العلوم (٢/ ١٢٢٩ - ١٢٢٣٠)، والصحاح تاج اللغة (٣/ ١٣٩) تفسير الثعلبي (١٠/ ٣٢٨)، تفسير ابن كثير (٤/ ١٤١).
(٣) العنمة: نبات أملس لطيف الأغصان يشبه به بنان العذارى. والجمع: عنم، وهو دائم الخضرة فروعه أسطوانية تحمل أوراقا متقابلة تشبه ورق الزيتون إلا أنها أصغر وأشد خضرة وأزهاره قرمزية منها خضاب وأثماره مخاطية من الداخل وهو ينمو نصف متطفل على أشجار الطلح والسدر ونحوها.
ينظر: النهاية في غريب الأثر (٣/ ٣١٢)، المعجم الوسيط (٢/ ٦٣٢)، وتاج العروس (١٦/ ٧٤).
(٤) ينظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٣٠٤)، الهداية شرح بداية المبتدي (٤/ ٣٥١)، البحر الرائق (٨/ ١٩٥)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٩٤)، المبسوط (١٢/ ٨).
(٥) ينظر: الحاوي الكبير (١٥/ ١٤٩)، المجموع شرح المهذب (٩/ ١٢٨)، المغني (١١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>