للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه لا حكم لهذه الحياة من الوجه الذي ذكرنا؛ فبان الفرق بينهما (١).

ومن نصر الرواية الثانية (٢) أجاب عن السؤال على الخبر من وجهين:

أحدهما: أنه لو كان الحكم يختلف لكان النبي يستفصل فيقول: "إن كانت الرمية موجبة أبيح لك الأكل، وإن كانت غير موجبة لم يبح". فلما لم يستفصل دل على أن الحكم لا يختلف (٣).

فإن قيل: قد يجوز أن يخل بالبيان إلى وقت آخر.

قيل له: لا يجوز الإخلال به عن وقت الحاجة، وهذا وقت الحاجة (٤)؛ لأن السائل كان جاهلا بإباحة الأكل، وإنما سأله: هل يباح له الأكل؟ فلا يجوز له الإخلال به كما قال للمستحاضة (٥) لما سألته: "إنما هو دم عرق (٦)، وليس بالحيضة؛ فإذا كان كذلك فتوضئي وصلي" (٧)، وكما قال للأعرابي لما سأله، فقال: وقعت على امرأتي،


(١) ينظر: الهداية على مذهب الإمام أحمد (١/ ٥٥٠)، الشرح الكبير (١١/ ١٦)، الإنصاف (١١/ ٢٨٨) شرح منتهى الإرادات (٣/ ٤٢٨).
(٢) وهي عدم حل الأكل.
(٣) ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (٣/ ١٤)، الشرح الكبير (١١/ ١٦)، شرح منتهى الإرادات (٣/ ٤٢٨).
(٤) لا خلاف بين الأئمة أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل، ولا اختلاف أيضا أنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الفعل لأن المكلف قد يؤخر النظر وقد يخطئ.
وإنما اختلفوا فى تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة على مذهبين:
المذهب الأول: يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة وبه قال طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي، وهو قول أبي الحسن الأشعري واختيار القاضي أبو بكر.
المذهب الثاني: أنه لا يجوز تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، وبه قال أيضا بعض أصحاب أبي حنيفة والشافعي وهو قول أكثر المعتزلة.
ينظر: قواطع الأدلة في الأصول (١/ ٢٩٥)، المعتمد في أصول الفقه (١/ ٣١٥)، المحصول، للرازي (٣/ ٢٧٩).
(٥) المستحاضة: هي التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا.
ينظر: الإقناع في فقه الإمام أحمد (١/ ٦٦)، كشاف القناع (٣/ ٢٧٩).
(٦) عرق: بكسر العين المهملة أي دم عرق انشق وانفجر منه الدم، أو إنما سببها عرق منها في أدنى الرحم يسمى بالعاذل.
ينظر: تحفة الأحوذي (١/ ٣٣١)، عمدة القاري (٥/ ٤٩١).
(٧) أخرجه البخاري من حديث عائشة في كتاب الحيض، باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وما يصدق النساء في الحيض والحمل، فيما يمكن من الحيض رقم (٣٢٥)، ومسلم في كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها رقم (٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>