للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقير الذي ليس له كسب وبين الغني في تحريم الصدقة، وعلى أن المكتسب غني بكسبه؛ فوجبت عليه الجزية، والزكاة لا تجب إلا على غني بمال مخصوص وهو النصاب (١).

فإن قيل: الجزية عوض في مقابلة حقن الدم والإقرار في الدار؛ فاستوى فيها الغني والفقير وليس كذلك الزكاة؛ فإنها مواساة؛ فلم تجب على الفقير الذي لا يملك شيئا، وكذلك الدية لما كان يحملها مواساة لم تجب على الفقير (٢).

قيل: علة الأصل تبطل بالخراج؛ فإنه عوض عن الأرض أو عن منافعها، ثم لا يجب على أرض لا ماء لها وعلى أرض السكنى (٣) كذلك لا يمتنع أن تكون الجزية عوضا عن القتل، وتجب على القادر على أدائها، وكذلك لا تجب على العبد وإن حصل له حقن الدم (٤)، وعلة الفرع تبطل بصدقة الفطر فإنها مواساة، وتجب على الفقير والموسر (٥)، وأيضا فإنهم قد قالوا: إما أن يؤدي أو يرد إلى دار الحرب (٦) وهذا غلط؛ لأن إقامته في دارنا بغير جزية أصلح للمسلمين من تكثير جمع المشركين به، وقالوا: ينظره إلى اليسار كالمديون، وهذا غلط؛ لأن حقوق الله المبتدأة لا يلزمها الفقر ويؤخر المطالبة كصدقة الفطر (٧).

واحتج المخالف بقوله تعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]، ولم يفرق، وكذلك قول النبي لمعاذ: "خذ من كل حالم دينارا".

والجواب: أن المراد بالآية والخبر من يقدر على الإعطاء؛ لأنه محال أن يأخذ ممن ليس معه شيء ولا له حيلة، ولا معنى لقولهم: إنه يمكنه أن يعطي بأن يقترض؛ لأن هذا لا يلزمه في الجزية، كما لا يلزم في حقوق الآدميين إذ كان مفلسا بها بل الجزية أولى؛ لأنها من حقوق الله، وحقوق الآدميين آكد.


(١) ينظر المغني (٩/ ٣٤٠)، شرح الزركشي (٦/ ٥٧٣ - ٥٧٤).
(٢) ينظر: الحاوي الكبير (١٢/ ٣٥١)، فتح العزيز في شرح الوجيز (١٠/ ٤٧٧)، وكفاية النبيه (١٦/ ٢٣٢).
(٣) ينظر: كشاف القناع (٣/ ٩٦ - ٩٨)، المغني (٩/ ٣٤٠).
(٤) ينظر: المغني لابن قدامة (٩/ ٣٤١)، الشرح الكبير (١٠/ ٥٩٦).
(٥) ينظر: المغني (٣/ ٩٤)، الشرح الكبير (٢/ ٦٤٨).
(٦) ينظر: الحاوي الكبير (١٤/ ٣٠١)، كفاية النبيه شرح التنبيه (١٧/ ٤٤ - ٤٥).
(٧) ينظر: المراجع السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>