للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب: أنا لا نسلم الوصف في الأصل؛ لأنه لا يجوز إقرارهم بالرق، وهذه مسألة تقدم الكلام فيها في أول السير، وذكرنا أن كل من لا كتاب له ولا شبهة كتاب لا يجوز إقراره بالجزية (١).

والمعنى في الأصل: أنه تؤخذ الجزية منه إذا كان عربيا، فأخذت منه إذا كان أعجميا، وليس كذلك الوثني؛ فإنه لا يؤخذ منه الجزية إذا كان عربيا، فلم يؤخذ إذا كان أعجميا، ولأنهم من أهل الكتاب، وليس كذلك ها هنا؛ فإنه لا كتاب له ولا شبهة كتاب؛ ولأن آباءهم كانوا على دين حق فروعيت فضيلتهم فيهم، وأقروا على كفرهم بالجزية التي هي عقوبة حقيقية، وليس كذلك عبدة الأوثان؛ فإنه لا فضيلة لهم بأنفسهم ولا لآبائهم؛ فلم تؤخذ منهم الجزية (٢).

واحتج بأن المجوس لا كتاب لهم، ومع هذا يجوز أخذ الجزية منهم؛ فدل على أنها لا تختص بأهل الكتاب (٣).

والجواب: أنه إنما أخذت منهم لإلحاقهم بحكم أهل الكتاب بدليل: أن عمر لما توقف فيهم روى له عبد الرحمن قول النبي : "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فأخذها منهم، ولأنه لما أشكل أمرهم استعملوا فيه الاحتياط، فحقنوا دماءهم بالجزية لئلا يقدموا على إراقة دمائهم بالشك، ومنعوا من مناكحتهم وذبائحهم؛ لئلا يقدموا على الفروج وأكل الذبائح بالشك؛ ولهذا قيل فيمن دخل من عبدة الأوثان في دين أهل الكتاب وأشكل أمرهم فلم يعلم هل دخلوا في دين من بدل أو في دين من لم يبدل، أو قبل النسخ (٤) أو بعده - وجب استعمال


(١) ينظر: كتاب السير.
(٢) ينظر: الحاوي (١٤/ ٢٩٤)، نهاية المطلب في دراية المذهب (١٨/ ٦٩).
(٣) ينظر المغني (٩/ ٣٩٣)، المبدع في شرح المقنع (٣/ ٣٦٥).
(٤) النسخ لغة: الرفع والإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، ويطلق على النقل، ومنه نسخت الكتاب إذا نقله من موضع إلى موضع.
النسخ اصطلاحًا: رفع الحكم الثابت بطريق شرعي بمثله متراخ عنه فيدخل ما ثبت بالخطاب أو ما قام مقامه من إشارة أو إقرار في الناسخ والمنسوخ، قال ابن مفلح: يخرج المباح بحكم الأصل عند القائل به فإن ذلك بحكم عقلي، لا شرعي، فإذا أخرج فرد من تلك الأفراد فلا يسمى نسخا، والمراد بالحكم ما تعلق بالمكلف =

<<  <  ج: ص:  >  >>