للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب: أنا قد روينا خلاف هذا وبينا أن روايتنا أولى وعلى أن أكثر ما فيه أنه قسمها في دار الإسلام ونحن لا نأتي ذلك ولا ننكره لرأي يراه، وليس في ذلك دلالة على امتناع جوازها في دار الحرب (١).

واحتج: بما روى مكحول قال: ما قسم رسول الله غنيمة قط في دار الحرب (٢).

والجواب: أن هذا يعارضه ما روينا عن الأوزاعي لم يقفل رسول الله من غزاة قط أصاب فيها مغنمًا إلا خمسه وقسمه قبل أن يقفل (٣)، يعني قبل أن يرجع وهذا أولى؛ لأنه أعلم بالسير وإلا فقوله أولى (٤).

واحتج: بأن حق الغانمين لا يثبت في الغنيمة بحصولها في أيديهم على معنى أنهم قد ملكوا أن يتملكوا.

ويبين صحة هذا: وأنه قد ثبت حق الغانمين صحة القسمة فيها، ألا ترى أن حال بقاء القتال لم يثبت حق الغانمين لم تُصح القسمة (٥).

فإن قيل: إنما صحت القسمة؛ لأن من الفقهاء من يقول يجوز قسمتها فإذا رأى الإمام ذلك وقسم نفذ حكمه.

وهذا لا يدل على إباحة قسمتها في الابتداء، ألا ترى أن بيع المكاتب لا يجوز عندنا (٦) ولو حكم به حاكم جاز ونفذ، وليس كذلك حال بقاء القتال؛ لأنه لا خلاف في امتناع جواز


(١) ينظر: الشرح الكبير لابن قدامة (١٠/ ٤٧٥)، الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ١٤٢)، المغني (١٠/ ٤٥٨).
(٢) لم أجده فيما بين يديه من كتب، إلا أنه قد ذكره السرخسي في المبسوط (١٠/ ١٩) بدون عزو بلفظ: "ما قسم رسول الله الغنائم إلا في دار الإسلام".
(٣) ذكره عنه الشافعي في الأم (٧/ ٣٥٢). ثم قال: "القول ما قال الأوزاعي وما احتج به عن رسول الله معروف عند أهل المغازي لا يختلفون في أن رسول الله قسم غير مغنم في بلاد الحرب".
(٤) ينظر: الشرح الكبير لابن قدامة (١٠/ ٤٧٥)، الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ١٤٢)، المغني (١٠/ ٤٥٨).
(٥) ينظر: السير الصغير (١/ ٢٤٧)، المبسوط (١٠/ ٣٤).
(٦) هذه رواية في المذهب، وهي رواية أبي طالب وقد سئل هل يطأ مكاتبته؟
فقال: لا يطأها، لأنها ما اكتسبت كان لها، ولأنه لا يقدر أن يبيعها، ولا يهبها، فظاهر هذا أنه لا يصح بيعها ولا هبتها. أما المذهب فهو الجواز، ويكون عند المشتري مكاتبًا، وإذا أدى إليه عتق.
وهي رواية أبي داود والأثرم وإبراهيم بن الحارث وحنبل والميموني وابن مشيش.
ينظر: كتاب الروايتين والوجهين (٣/ ١٢٥ - ١٢٦)، الإنصاف (٧/ ٤٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>