للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستدلال وغلبة الظن، فإن أكل بعد ذلك احتمل أن يكون الأكل؛ لأنه لم يكن معلمًا فلا يباح أكل ما تقدم، واحتمل أن يكون لفرط جوع أصابه كما إذا اضطر الإنسان إلى الطعام فإنه يأكل طعام غيره، ويحتمل أن يكون أكل لأنه نسي أن صاحبه أرسله كما يرسل الإنسان غيره في حاجة وينسى ذلك، واحتمل أن يكون ينسى التعليم كما ينسى الإنسان الصنعة، فلا يدل ذلك على أنه لم يكن معلما. فإذا كان الأكل محتملا لهذه الأوجه لم يبطل ما كنا قد حكمنا به من الإباحة وحصول التعليم قطعا أو غلبة الظن؛ كما لو شهد شاهدان ظاهرهما العدالة فحكم الحاكم بشهادتهما ثم ظهر منهما فسق، فإنه لا ينقض الحكم لاحتمال أن يكون الفسق طارئا بعد الشهادة وإن جاز أن يكون قبلها، ولا يلزم على هذا الصيد الذي أكل منه؛ لأننا لم نحكم بإباحة أكل الصيد فهو كالفسق الحادث بعد الشهادة (١).

وقيل: الحكم بها يمنع من الحكم بها؛ لأنه حدث ما يضاد الشهادة قبل الحكم بها، فهو بمنزلة أن يأكل من الصيد قبل الحكم بإباحته وقبل الحكم بكونه معلمًا (٢).

فإن قيل: لو كان معلما لصار الإمساك طبعا له، ولو صار طبعا له لاستمر عليه ولم يفارقه.

قيل: لا يمتنع أن يكون معلما وينسى ذلك، ألا ترى أن الآدمي يتعلم القرآن والخط والشعر وينساه.

فإن قيل: بفرض المسألة في صيدين بينهما مدة قريبة؛ لأن ما تقدم لا يبقى إلى أن يصطاد بعده.

قيل: إذا أحلت هذا في الزمان الكثير أحلناه في الزمان اليسير؛ لأنه لا يوجد منه الأكل إلا إذا تطاول الزمان. وأيضا فإن الكلب حيوان تحل ذكاته فتغير حاله لا يحرم ما تقدم من ذكاته كالمسلم إذا ذكى ثم ارتد (٣).


(١) ينظر: المغني (٩/ ٣٧٠)، الشرح الكبير (١١/ ٢٧).
(٢) ينظر: المراجع السابقة.
(٣) ينظر: المغني (٩/ ٣٧٠)، الشرح الكبير (١١/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>